ترجمة كلمة الملكة رانيا القمة الدولية لحقوق الأطفال في الفاتيكان

03 شباط 2025

بسم الله الرحمن الرحيم

قداسة البابا فرنسيس شكراً لكم على عقد هذه القمة المهمة، والتزامكم غير المشروط تجاه أطفال العالم.

قبل سنوات، قمت بنشر مجموعة من الرسائل التي وصلتك من أولاد وبنات من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب ردودك عليها. وفي إحدى الرسائل، سألك طفل لاجئ يُدعى محمد: "هل سيعود العالم كما كان في الماضي؟"

أراد أن يعرف إن كانت حياته ستعود يوماً لما كانت عليه. وهذا سؤال يؤرق ملايين الأطفال، ممن قُلبت حياتهم رأساً على عقب بسبب الحرب. وهو سؤال ما من إجابات سهلة له.

اتفاقية حقوق الطفل هي المعاهدة التي حظيت بأكبر عدد من التصديقات في التاريخ. فمن الناحية النظرية، الإجماع واضح: كل حق لكل طفل.

ومع ذلك، يتم استثناء الكثير من الأطفال حول العالم من ذلك الالتزام – خاصة في مناطق النزاعات. والأسوأ أن الناس أصبحوا غير مبالين بآلامهم.

اليوم، يعيش واحد من كل ستة أطفال على وجه الأرض في مناطق متأثرة بالنزاع. واحد من ستة. يومياً، العشرات منهم إما يُقتلون أو يشوّهون. يُسلبون من كل حق... في الحياة والأمان، وأيضاً في التعليم والصحة والخصوصية والحماية من الإساءة.      

أي شخص اعتنى بطفل يدرك تلك الفطرة التي تدفعه لحمايته من المعاناة. لكن - في خضم الحرب لا يوجد ما يحمي الأطفال من أقسى نزوات البشر.

تأتي أسوأ كوابيسنا في وضح النهار.

نجدهم في كل تقرير إخباري أو فيديو مسبوق بتحذير من "قسوة المحتوى" على وسائل التواصل الاجتماعي، ينزفون ويغطون آذانهم بعد غارة جوية. يُحرقون لدرجة لا يستطيع حتى أهلهم التعرف عليهم. يشهدون فظائع تم تظليلها على شاشاتنا من شدة هولها.

فكروا بذلك. لقد تم اعتبار واقعهم المُعاش صادماً لدرجة تصنيفه بغير المناسب حتى لمشاهدة الكبار.

فضحايا الحروب الأصغر سناً يُسلبون من حقهم الإنساني الأساسي – الحق في الطفولة. وتُبرر هذه الجريمة بأخرى: إقصاؤهم عن عالم الطفولة كلياً. يتم شيطنتهم وإظهارهم كأشخاص أكبر سناً وتصويرهم على أنهم يشكلون تهديداً أو نبذهم على أنهم دروع بشرية.    

من فلسطين إلى السودان ومن اليمن إلى ميانمار وغيرها، يسبب هذا "التجريد من الطفولة" شروخاً في تعاطفنا. يكبت الحاجة الملحة للتحرك لصالح اللامبالاة. يسمح للسياسيين بالتملص من المسؤولية... وتقديم الأجندات الضيقة على حساب المسؤوليات الجماعية.

قداسة البابا، بعد وقت قصير من تسلم دعوتك لحضور القمة، قرأت دراسة صادمة حول الحالة النفسية لأطفال غزة الأكثر عرضة للخطر:

أفاد 96% منهم بشعورهم أن موتهم وشيك.

وقال ما يقارب نصفهم أنهم يرغبون في الموت. لا أن يصبحوا رواد فضاء أو رجال إطفاء كبقية الأطفال – أرادوا الموت.

كيف سمحنا لإنسانيتنا الوصول إلى هذا الواقع:  

واقع يتقبل معاناة بعض الأطفال، على أساس اسمهم أو عقيدتهم أو مكان ولادتهم؟

حيث يتحدد مصير كل طفل وفقاً لفاصل زائف بين "أطفالنا" و"أطفالهم"؟

دون تطبيق متساوٍ، تكون الالتزامات العالمية جوفاء. فإن كان بالإمكان إنكار حق ما، فهو ليس بحق على الإطلاق، بل امتياز تتمتع به قلة محظوظة.   

ومع مرور ساعات هذا اليوم، ودراسة حقوق الأطفال من كل زاوية، لا يمكننا إغفال أولئك الذين يستيقظون كل يوم متسائلين:   

"هل سيعود العالم كما كان في الماضي؟"

قداستك، كانت إجابتك على سؤال محمد:

"لا، فعندما يحين الوقت، لن يكون العالم كما كان. سيكون مكاناً أفضل بكثير مما كان عليه في الماضي."

ما زالت تلك الرؤية الزاهية في متناول أيدينا – لكن إن عملنا من أجل ذلك فقط. 

"كل حق لكل طفل". هذا هو الوعد الذي قطعه العالم للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة واللاجئين والأيتام والمُهملين. 

سواء كانوا يفتقدون أسنانهم اللبنية الأمامية أو فقدوا أطرافاً بإصابات حرب، لكل طفل حق متساوٍ في الحصول على الحماية والرعاية.

لا استثناءات. لا حالات استبعاد. وبلا شروط مسبقة.

شكراً جزيلاً.