كلمة الملكة رانيا خلال اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة حول اللاجئين والمهاجرين

19 أيلول 2016
شكراً، رئيس الوزراء ترودو. وشكراً لكم جميعاً على حضوركم.
 
في وقت سابق هذا العام، زرت مخيم كاراتيبي في جزيرة ليسبوس في اليونان، جلست مع عائلات في غرفهم المؤقتة بقياس 4x3. مشيت معهم، كانت الشمس ساطعة، لكن الهواء كان ثقيلا: مليئاً باليأس والارهاق والخوف.
 
بينما كنت هناك، سمعت ذات الأسئلة مراراً وتكراراً:
 
"هل هذا هو الوطن؟"
 
"هل سيتم إرجاعنا؟"
 
"ماذا أخبر أطفالي؟"
 
وأكثر من ذلك، وبشكل عاجل: 
 
"أين نذهب من هنا؟ ماذا بعد؟"
 
هذه الأسئلة تُعاد 65 مليون مرة كل يوم، في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا وأوروبا وفي الشرق الأوسط.
 
التهجير القسري عالمياً بلغ مستوى قياسي، مستوى من نسب مأساوية. الملايين من الأشخاص كان لهم سوء الحظ بأن يولدوا في مكان دمره العنف والفقر والاضطهاد أو انعدام الأمن بحيث لم يكن لديهم خيار سوى المغادرة.
 
المغادرة سيراً على الأقدام.. المغادرة على متن قوارب .. المغادرة مكدسين في الشاحنات .. دون معرفة ماذا سيجلب اليوم التالي.. وأكثر من ذلك إلى أين سيقودهم المستقبل.
 
سؤالهم – "أين نذهب من هنا؟ ماذا بعد؟" - يجب أن يكون سؤالنا أيضاً.
 
إنه سؤال على كل دولة، وكل حكومة، وكل مواطن أن يجيب عليه.
 
عالمنا في وسط أزمة لاجئين - ولكن دعونا لا نحتار أو تختلط الأمور علينا بسبب تلك التسمية.
 
هذه الأزمة لا تتعلق باللاجئين فقط.
 
ولا الحل سيكون ببساطة للاجئين.
 
هذه الأزمة تتعلق بمستقبل عالمنا المترابط. تتعلق بالكرامة وأخلاق الانسانية.
 
والتزامنا اليوم، لتشارك المسؤولية لهذا المستقبل، هو الطريق الوحيد للمضي قدما.
 
لذا هو فخر للمشاركة في استضافة هذه الطاولة المستديرة مع رئيس الوزراء ترودو. وأتطلع لنقاش مثمر ونابض بالحياة مع العديد من المفكرين في هذه الغرفة.
 
كما أود أن أشكر الأمين العام بان كي مون لقيادته في قضية اللاجئين والمهاجرين. خبرته في النزوح والتعافي في كوريا التي مزقتها الحرب هي شهادة على قيمة التعاون العالمي عندما يكون الأمل في الوطن منخفضاً.
 
كما يعلم العديد منكم، الأردن ثاني أكبر دولة مستضيفة للاجئين لكل فرد. في بلد فيها 6,6 مليون اردني، فتحنا أبوابنا لـ1,3 مليون سوري هربوا من العنف في بلدهم – تماماً كما فتحنا أبوابنا في الماضي للفلسطينيين والعراقيين وغيرهم ممن يبحثون عن الملاذ الآمن.
 
لا يمكن أن أكون أكثر فخرا بالكرم الذي أظهره رجال ونساء بلدي.
 
كما أظهر العديدون الكرم أيضا. ولكنه لا يضاهي الحاجة العالية. في العام الماضي، بالكاد غطت المساعدة الخارجية ثلث كلفة استقبال الاردن للاجئين. 
 
لذا معا يجب أن نقوم بفعل المزيد - ويجب أن نقوم بالكثير مع القليل. ولا يمكن أن يقع تحمل هذه المسؤولية على الدول الأقرب للنزاعات وحدها.
 
استجابة عائلة الدول اليوم ستشكل عالمنا لعقود قادمة.
 
هل سنترك اللاجئين يعانون في المخيمات والأحياء الفقيرة؟ أم هل سنعطيهم الأدوات للمساهمة في الاقتصاد الجديد وإعادة بناء أوطانهم عندما يحين الوقت؟
 
هل سنشاهد مؤسساتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنهار، ونسمح بانتقال صدى وردات فعل الخوف وعدم الاستقرار من الداخل إلى الخارج؟ أم هل سنتعاون فيما بين الدول والقطاعات لإيجاد حلول مستدامة؟
 
في الأردن، نحن مصممون على صناعة الفرصة من الأزمة. نحن نعمل مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وغيرها في المجتمع الدولي للانتقال من المساعدة والغوث الى التنمية والاستثمار.
 
في 18 منطقة اقتصادية حرة في البلد، الشركات الخاصة التي تضع جذور التصنيع سيكون لها الآن قدرة أكبر على الوصول للسوق الأوروبي وحوافز الاستثمار، في حين توفر الوظائف وفرص التدريب للسوريين والأردنيين.
 
مع هذا البرنامج التجريبي، نحن نساعد اللاجئين السوريين على تطوير مهارات لاعادة بناء اقتصادهم وبلدهم.. وفي الوقت ذاته احتضان مستقبل اكثر ازدهارا للاردنيين.
 
ولكن لحلول ابداعية مثل هذه لتحقق النجاح، نحتاج ان نعمل معاً – قطاع عام وخاص، انسانياً وتنمويا، مانحين ومستضيفين.
 
إن المخاطر لا يمكن أن تكون أعلى.
 
في الشهر الماضي، شاهدت فيديو عمله أب لأطفاله الثلاث.
 
كان من الممكن ان يكون اي فيديو منزلي. باستثناء ان هؤلاء الاطفال لم يكونوا يلعبون في الفناء الخلفي أو يقفزون على السرير. كانوا ممددين بجانب بعضهم البعض ملفوفين في أكفان.
 
الأكثرية منا يمكن ان تتخيل ألم الأب الذي خسر أطفاله.
 
ولكن كمجتمع عالمي، لقد فقدنا هؤلاء الأطفال أيضاً. كان من الممكن أن يكونوا أطباء أو دبلوماسيين. أولمبيين أو فنانيين..
 
والآن، مع تشكيل الأطفال لنصف اللاجئين في العالم، نقف لخسارة ملايين أكثر.
 
لذا اليوم، دعونا نفكر في هؤلاء الأطفال – الماضي الذي هربوا منه، والامكانيات التي يحملوها. ودعونا نتذكر انه عندما يسأل أشخاص نازحين "أين نذهب من هنا؟ ماذا بعد؟". فهم يسألون بالنيابة عنا جميعاً.