كلمة الملكة رانيا في تخريج الأكاديمية الدولية عمان

28 أيار 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

أعزائي الخريجين والأهالي وأعضاء الهيئة الإدارية والتدريسية،

أبدأ بالتحية التي تميزنا وألقي عليكم سلام الله ورحمته وبركاته، فلا أجمل من أن نكون حملة رسالة ملؤها الرحمة التي يحتاجها عالمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى.

وقبل أي شيء، اسمحوا لي أن أهنئكم أنتم وجميع خريجينا من المرحلة الثانوية وأهاليكم ومعلميكم، وأنتم مقبلون على مرحلة جديدة من حياتكم – ألف مبروك-.

في كل مرة أقف لأشارك طلابا هذه الفرحة، استذكر رحلتي كأم وآتي حاملة النصائح التي أقدمها لأولادي، لكني اخترت هذه المرة أن أحدثكم ليس كأم فقط، بل كأم عربية أردنية وكشخص لا زال يتعلم دروسا وعبرا كل يوم.

فهذا العام الدراسي لم يكن مثل سابقه من أعوام مضت، وتلك الأشهر الأخيرة غيرت فينا الكثير، إذ ما زلنا نتألم على أهلنا في غزة وفلسطين...عشرات الآلاف استشهدوا ودفنت معهم أحلامهم وطموحاتهم وآمالهم.

في عالمنا العربي، اختلط ذاك الألم لدى الكثيرين منا بشعور القهر والخذلان وخيبة الأمل من عالم بات يقدر حياة البعض ولا يكترث بحياة آخرين... عالم فيه الكثير من التناقضات بين ما نسمعه وما نراه: يدعو للسلام، لكنه ينتج الحرب... يدعي الإنسانية ويتباهى بحقوق الإنسان، لكنه يبرر قتل وتجويع الآلاف من أطفالنا... لم نكن لنتخيل انتقائية المنظومة الأخلاقية العالمية وصمتها أمام الجرائم التي نشهدها اليوم في حق الإنسان.

لكن من خيبة الأمل تنبت العزيمة.

رغم الحصار، حررت غزة الكثيرين حول العالم من وهم الانبهار بالغرب وتفوقه على شعوب الأرض.

فالتقدم لا يقتصر على التفوق الاقتصادي والتقني، ولا يقاس بارتفاع ناطحات السحاب أو سرعة الإنترنت فقط، بل بعمق قيم الأمة وأخلاقها.  

فصحت كلمات أمير الشعراء، أحمد شوقي حين قال:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت     فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وما أحوجنا اليوم إلى الالتفات لبعضنا البعض كشعوب عربية... والتمسك بقيمنا وأخلاقنا...  ما أحوجنا إلى وقفة مع الذات، ننبش في جذورنا ونقلب تربتنا، فندرك أننا شعوب متقدمة في إنسانيتنا، ولا حاجة لنا إلا أن نبني أوطاننا... أن نؤمن ونثق بأنفسنا وبإرثنا وبالقيم التي نشأنا عليها... قيم التسامح والتعايش... الإحسان والرحمة... الترابط وبر الوالدين... العدل والأمانة.

لذا، أقف بينكم اليوم لأقول لكم: اليوم هو البداية التي ستنتقلون منها لتصبحوا طلابا في مدرسة الحياة. ولكي تتفوقوا فيها، أوصيكم أن تحملوا معكم كل ما تعلمتموه، فالمعرفة قوة وما من قوة أعظم من أن تدركوا هويتكم.

أنتم أهل الضاد، فكونوا فخورين بلغتكم... لغة الإعجاز ولسان رسولنا الأمين. لغة المعلقات وقصائد المتنبي وقصة عشق قيس وليلى ونزار وبلقيس. هي صوت أم كلثوم وعبد الحليم... هي لغة الحب والثورة والطرب والسلام. هي لغة صرخت سجل أنا عربي... أنا عربي - قولوها دون خجل أو خوف، قولوها بفخر واعتزاز.

أنتم أصحاب أرض تشبعت بالتاريخ، فكونوا معتزين بموطن مهدكم. أرض مباركة وطأتها أقدام الأنبياء... هي مسرى نبينا الأمين، ومهد عيسى ابن مريم ومضرب عصا موسى عليهم السلام. بقعة خصها العلي القدير، فأصبحت مشرق الحضارات ومنبع العلوم ومنطلق الثقافات.

أنتم أهل العزم، فكونوا على قدره... وافتخروا بوطنكم. كونوا كأردنكم... كرماء في عطائكم، ثابتين في مواقفكم، تنجزون الكثير بالقليل… كونوا كهذا البلد الشامخ، إنسانيته لا تعرف قيدا أو شرطا، ينشد السلام ويسعى إليه، بابه واسع ومفتاحه الرحمة.

وتذكروا أنكم سفراء بلدكم وهويتكم. ..احملوا هذه القيم التي نشأتم عليها وأخبروهم عن آبائكم وأمهاتكم وعن أجدادكم، حدثوهم عن شعبنا وأرضنا وتاريخنا.

أبارك لكم مرة أخرى وأبارك لجميع شباب وشابات الوطن من الخريجين والخريجات. وما تنسوا كل حدا تعب معكم وعلمكم.

بتمنالكم الخير دائما فطول ما انتو بخير، أردنا أكيد بخير. وربنا يكون معكم وينور دربكم.