ترجمة كلمة الملكة رانيا في قمة "الويب"
شكراً كيسي، وشكراً للجميع.
في بدايات شبكة الانترنت، قال أحدهم: "أعطي شخصاً سمكة وستُطعمه ليوم، علمه كيف يستخدم الانترنت ولن يزعجك لأسابيع".
وقتها، أضحكني ذلك. لكن اليوم، تبدو (تلك المقولة) أشبه بالتنبؤ مما كنا ندرك.
تمسكنا بالتكنولوجيا ليس مجرد عادة. بل نوع من الإدمان.
أول ما نفعله عندما نستيقظ، نتفحص العناوين. نتصفح حساباتنا على مواقع التواصل قبل أن نذهب للنوم. نقضي ما لا يقل عن سبع ساعات يومياً على الانترنت... ويستمر استخدامنا في التزايد:
خلال العام الماضي، بحسب أحد التقارير، ارتفع المتوسط اليومي للوقت الذي نقضيه على الانترنت بواقع أربع دقائق في اليوم.
أربع دقائق إضافية.
لا يبدو ذلك كثيراً... لكنني أفكر بما يعنيه.
جمع أربع دقائق في اليوم على مدار عام ستصل إلى يوم كامل، لكل شخص... وعندما نوزعها على كل مستخدمي الانترنت في العالم سيصل المجموع إلى "أكثر من خمسة مليار يوم إضافي من استخدام الانترنت في عام 2022".
خمسة مليار يوم تُضخ في حواسيبنا. رقم يحير العقل.
ويجعلني أفكر بما كتبته الروائية آني ديلارد ذات مرة، وهو أن "الطريقة التي نقضي بها أيامنا هي بالتأكيد كيف نقضي حياتنا".
أنا لست خبيرة تكنولوجيا.
لكنني أؤمن أن هدف التكنولوجيا هو جعل حياتنا أفضل مما هي عليه.
وأتساءل: إذا أخبرنا أحد بأنه لدينا يوماً واحداً إضافياً كل عام، هل سنستنتج أن أفضل شيء يمكننا القيام به من أجل أُسرنا... ومجتمعاتنا... وعالمنا... هو أن نأخذ تلك الأربع وعشرين ساعة الإضافية ونُعيد استثمارها أمام شاشاتنا؟
يُقلقني من أننا نستخف بقيمة أغلى عملة في عالمنا: وقتنا.
يُقلقني أنه حتى مع تطور الواقع الافتراضي مع الأيام... إلا أننا نتجاهل احتياجات واقعنا الفعلي. وصحتنا النفسية تعاني أيضاً.
لذلك، أود أن نفكر افتراضياً، بكيف يمكن استرجاع تلك الدقائق الأربع.
أود أن أقترح أربع خطوات يمكننا اتخاذها لاستثمار تلك الدقائق بحكمة.
لأنه، من وجهة نظري، مع كل الحماس الذي يحيط بالتكنولوجيا الناشئة، عندما تنظر للتحديات التي تواجهنا في عالمنا المعقد والمتسارع – من تغير المناخ للنزاع... والأمراض المعدية... والاستقطاب السياسي... وغيرها – فإن التقدم الحقيقي الذي نحتاجه جميعاً ليس آلات أفضل، لكن أن نكون بشراً أفضل.
على سبيل المثال، شاركت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في شهر أيار حدثاً مهماً وصفته بالـ "صاعق": حيث تخطى عدد النازحين قسرياً عتبة الـ100 مليون شخص.
قد تبدو تلك الأرقام صعبة الاستيعاب للغاية... لكنها ليست أرقام. هم أشخاص مثلنا. أشخاص يحملون آمالاً وهموماً وأحلاماً ولديهم عائلات يحبونهم.
في العام 2017، زرت مخيماً في بنغلادش، حيث هرب مئات الآلاف من الروهينجا المسلمين من إبادة جماعية في ميانمار - إبادة جماعية تفاقمت بسبب خطاب كراهية على الانترنت.
من إحدى الصور التي لن أنساها أبداً كانت لطفل صغير ونحيل... حافي القدمين يجلس على الأرض بساقيه مفرودتين ومنحني للأمام.
وفي فمه مصاصة بلاستيكية.
كان يحاول أن يشرب الماء من الطين.
وكما تعلمون، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي الوكالة التي تهتم باللاجئين حول العالم. ميزانيتها الكاملة لهذا العام حوالي 10 مليار دولار.
في الوقت الذي وصلت فيه إيرادات شركة ميتا للربع الأول فقط إلى حوالي 3 أضعاف ذلك المبلغ.
هل هذا التوزيع الصحيح للموارد؟
كعائلة إنسانية، أولوياتنا مختلة إن كنا نعطي قيمة أكبر للواقع الافتراضي وانستغرام و"الإعجابات" من التي نعطيها لحياة طفل لاجئ.
فليست فقط حياة ذلك الطفل التي تصبح منقوصة، ولكن حياتنا أيضاً. في عالمنا المترابط حيث لا يمكننا أن نحصن أنفسنا من معاناة الآخرين - فقد نمى كل من مجتمعنا وقريتنا وحينا سواء أردنا ذلك أم لا، ونحن بحاجة للاهتمام ببعضنا البعض إذا أردنا السلام والاستقرار لأنفسنا.
ولذلك أؤمن أن علينا الاستثمار بدقيقتنا الأولى من أجل حشد تعاطف جماعي – وليس بطريقة انتقائية أو عشوائية، ولكن بشكل تلقائي. حان الوقت للارتقاء بنظامنا التشغيلي كعائلة إنسانية، بدءاً من اليقين أن كل إنسان له نفس القيمة.
استجابة العالم للأزمة في أوكرانيا، حيث هرب أكثر من 7,2 مليون شخص من العنف منذ نهاية شهر شباط، أظهرت لنا أنه يمكننا عمل الكثير عندما تتحد قلوبنا.
ومع ذلك، من الصعب تجاهل الاختلاف في السخاء واللهجة والاهتمام بين الترحيب باللاجئين الأوكرانيين وأولئك الهاربين من الدمار في دول مثل سوريا أو جنوب السودان أو ميانمار.
من الصعب ألا تتساءل إن كان لون البشرة أو الديانة تؤثر على الغرائز الإنسانية للمجتمع الدولي... وسواء كانت ردة الفعل البديهية هي مد يد المساعدة أم غض النظر.
غالباً ما يكون التعصب وعدم التسامح أساس الصراع في المقام الأول. معالجة هذا التعصب ليس وظيفة الخوارزمية بل يعود لنا.
إن لم نتمكن من التغلب على انحيازاتنا الفطرية، فكيف نأمل في إيجاد ذكاء اصطناعي غير متحيز؟
لذلك الدقيقة الأولى تذهب لتعزيز التعاطف بدون تمييز.
دعونا نستثمر دقيقتنا الثانية في بناء مفهوم جامع للحقيقة.
هذه الأيام، من السهل جداً حصر الأخبار التي نطلع عليها لمحتوى متخصص بدقة – محتوى يُغذي ما نفكر به أصلاً... ويؤكد ما نؤمن به مسبقاً... ويُعزز الافتراضات التي نحملها بدلاً من تحديها.
لكن عندما نحد من رؤيتنا بهذه الطريقة، فإننا نحصر منظورنا... الأمر الذي يقوض انفتاحنا على الاستفسار والحوار.
كما تقول النكتة القديمة: لقد حسمت الأمر، لا تُربكني بالحقائق.
ومع ذلك، إن كنا غير مستعدين للتفكير بالحقائق التي تتناقض مع آرائنا، كيف يمكننا اتخاذ قرارات صائبة– لأنفسنا ولعائلاتنا ولإدارتنا؟
وفي الوقت ذاته، السرعة التي تنتشر فيها المعلومات الخاطئة أضعفت ثقتنا.
والبيئة الإعلامية التي تُعزز الأكاذيب البسيطة على الحقائق المعقدة، وتكافئ النزاع على حساب المصداقية، لن تجعل الأمور إلا أكثر سوءاً.
علينا أن نجد طريقة لتجديد قدرتنا على استيعاب فروقاتنا الدقيقة، ودرجات تعقيدنا، وتفاصيلنا. الإصرار على أن كل شيء إما أسود أو أبيض فعلياً يجعل الطريق إلى المستقبل غامضاً.
قلت مراراً أن من أحد أكثر الأمور أهمية والتي يمكننا القيام بها لجعل عالمنا مكاناً أفضل هو أخذ دقيقة للنظر إلى الأمور من وجهة نظر الطرف الآخر. ولا يعني ذلك أننا سنتفق مع رأيهم فجأة، أو العكس، لكن توسيع عقولنا قد يفتح المجال لأرضية مشتركة.
ليس هناك طريقة صحيحة واحدة لفعل الأمر الصائب أو للحصول على النتائج الصحيحة. هنالك دائماً طريق ثالث، وإيجاد ذلك الطريق لا يعني أنه تضحية أو تنازل. أحياناً يعني أخذ الأفضل من الخيارين لخلق شيء جديد يمكن للطرفين الإيمان به.
لذلك فإن الاستثمار بالتعاطف والحقيقة المشتركة ضروري – لكن تلك الخطوات ليست كافية.
نحتاج أيضا إلى التأكد من استعدادنا للعمل انطلاقاً من قيمنا.
ولذلك الدقيقة الثالثة يجب أن تذهب لاسترجاع سيادتنا الإنسانية.
لأننا - أكثر وأكثر - نعتمد على أجهزتنا ليس فقط للإلهاء ولكن من أجل التوجيه.
يُخبرنا نظام تحديد المواقع أي طريق نسلكه. منصات المراسلة التي نستخدمها تقترح علينا ما نكتبه. وتطبيقات التسوق توجهنا لما يجب أن نشتريه. بالكاد لدينا الوقت للتفكير قبل أن نتصرف.
لكن كلما فوضنا الذكاء الاصطناعي أكثر لاتخاذ القرارات، كلما قلت الخيارات التي نتخذها لأنفسنا. عن قصد أو بغير قصد، نحن نتخلى عن عملية تفكيرنا وميزة بعد نظرنا.
وتلك مجازفة.
في عالم معقد، نحتاج لضبط قدراتنا البشرية جيداً، بحيث يمكننا أن نقرر من بين الخيارات غير المثالية، والتكيف مع المتطلبات غير المتوقعة.
إذاً، كيف سيكون شكل استعادة سيادتنا الإنسانية؟ أين نبدأ؟
بالنسبة لي، أحاول أن أكون أكثر وعياً للمقايضات القادمة، والانتباه للحظات التي يعني فيها اختيار الأسلوب السهل التخلي عن التفكير النقدي.
لإبقاء عضلاتنا الفكرية قوية، علينا القيام بالعمل الصعب لموازنة القرارات والاختيار من بينها.
علينا أن نكون على استعداد للتخلي عن الدور الذي تقوم به الخوارزمية واكتشاف الأمور بأنفسنا.
وهو ما يأخذني للدقيقة الأخيرة. وطلبي لهذه الدقيقة بسيط جداً: استثمروا وقتكم في الأشخاص الذين تحبونهم. الحياة ثمينة ودائماً ما تكون قصيرة.
التغريدات على توتير لن تنتهي. وسيكون هناك دائماً تيك توك آخر. لكن الوقت يسير في اتجاه واحد فقط، ولا يمكننا استعادته.
فقدت والدي في بداية هذا العام، أشتاق إليه كل يوم. ما من شيء أتمناه أكثر من دقيقة واحدة أخرى معه.
لذلك دعونا نستعيد تلك الدقائق الأربع اليومية.
دعونا نستثمرها فيما هو أهم. التعاطف. الحقيقة. سيادتنا الإنسانية. ووقت نقضيه جيداً مع من نحب.
ودعونا ننظر أيضاً إلى كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُعزز تلك الأهداف – ليس بمجرد أن تُبعدنا عن شاشاتنا، لكن أن تساعدنا في بناء حياة أفضل.
تخيلوا لو لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي تُسيطر على انتباهنا، لكن بدلاً من ذلك تساعدنا في التركيز على التحديات التي نحاول حلها؟
تخيلوا لو أن الخوارزمية توقفت عن ارسال اقتراحات متشابهة، وبدلاً من ذلك وجدت طرقاً لفتح عقولنا وتعريضنا لأفكار جديدة؟
تخيلوا لو كانت القوة الأكبر للذكاء الاصطناعي ليست في اتخاد القرارات عنا، ولكن في مساعدتنا على أن نكون أكثر تمييزاً وانتقائية في الخيارات التي نتخذها لأنفسنا؟
وتخيلوا، بدلاً من تخصيص خمسة مليار يوم إضافي للإنترنت، أن يستثمر كل واحد منا وقته فيمن نحب؟
شيء واحد نريده جميعاً هو أن نعيش حياة هادفة بأقل ما يمكن من الندم. كلما تقدم الناس في العمر وأعادوا النظر في حياتهم، قليلون منهم سيخبرونك أنهم تمنوا لو أنهم قضوا وقتاً أطول أمام شاشاتهم أو خلف مكاتبهم... لكن الأكثرية يتمنوا لو أنهم قضوا وقتاً أطول مع الأشخاص الذين يعنون لهم.
ليست التكنولوجيا التي تُغني حياتنا ولكن بعضنا البعض.
وأنا ممتنة لقضاء هذه الخمس وعشرين دقيقة معكم.
----------------------------------------------------------------
حوار الملكة رانيا مع الصحفي فريدريك بلايتغين من شبكة تلفزيون "سي ان ان"
فريدريك بلايتغين: في البداية، شكراً جزيلاً جلالة الملكة. وثانياً، أرى أنني الشاب الوحيد الذي يرتدي ربطة عنق على ما أعتقد في المبنى كاملاً.
الملكة رانيا: يمكنك خلعها
فريدريك بلايتغين: سنجري حواراً سريعاً حول ما قالته جلالة الملكة لأنني أعتقد أنه مهم جداً وأعتقد أنه دافع لنا جميعاً للأمام. لكن هناك ثلاثة أمور في هذه الجلسة قبل أن نبدأ وأود أن أوضحها كأساس لنا. في البداية، جلالة الملكة رانيا هي "القصة الحقيقية" بالنسبة لأي مراسل يذهب لتغطية حرب أو في أي مكان آخر. لقد غطيت كل حرب. وكانت هناك أولاً، وكانت موجودة على أرض الواقع، تذهب إلى المكان الذي يتألم فيه الناس. ولذلك نأخذ كل ما تقوله على محمل الجد. وثانياً، ذهبنا أنت وأنا إلى العديد من هذه الأماكن حيث يعاني اللاجئون، حيث لا يمتلك الناس أي شيء، وأعتقد أنه في السنوات الماضية، ربما السنوات العشر الماضية، كان التغيير الأكبر في اللعبة بالنسبة للناس الفارين هو أنتم هنا: أهل التكنولوجيا. كان الناس يبحثون إلى أين يمكن أن يذهبوا، وكيف يمكن أن يكونوا آمنين، وكيف يمكنهم الاندماج في المجتمعات. وأعتقد أن هذا هو سؤالي الأول، أن الطريقة الوحيدة للتأقلم مع تدفقات اللاجئين القادمة ستكون عبر التكنولوجيا، أليس كذلك؟
الملكة رانيا: صحيح، صحيح. كما تعلم، أعتقد أنها نوعاً ما مفارقة مخجلة أننا نعيش في وقت من الراحة والسهولة والإشباع الفوري ومع ذلك نشهد مثل هذه المصاعب الإنسانية. لكن من الناحية الأخرى، نحن نعيش في عصر حيث الأمور التي تبدو مستحيلة ليست ممكنة فقط، لكن محتملة أيضاً. فمعظمكم هنا في هذه القاعة تشعرون براحة كبيرة لتصور التقدم التكنولوجي الذي لا يصعب تصوره ومن ثم تحقيقه. ولذلك أعتقد أن عالمنا بالفعل يحتاج ويستحق نصيبه من ذلك التخيل، خاصة الأكثر ضعفاً بيننا.
ولأكون منصفة، عمل القطاع التقني بجد من أجل تصميم وتطوير البرامج التي تدعم اللاجئين. ومن المهم جداً تذكر أنه عندما يصبح الإنسان لاجئاً فهو لا يفقد الموطن فقط، لكنه كما تعلم يفقد اللاجئون الناس والأماكن التي معا تشكل موطنهم، فيصبحون منفصلين عن كل جانب من جوانب حياتهم السابقة. والمنصات الرقمية يمكن أن تساعد في إعادة تواصلهم مع المعلومات والخدمات والموارد الهامة، وبنفس الأهمية شعورهم بالانتماء من خلال تطوير المهارات والتعلم عن بعد، والتوظيف، وتطبيقات الترجمة والتحويلات المالية على الهاتف. لذلك كل تلك الأمور في غاية الأهمية لكن هناك كلمة تحذير.
حذر معهد سياسة الهجرة أنه من بين 170 مشروع تقني تم تطويره للاجئين أطلقت في عامي 2015 و2016، أصبحت معظمها لاغية بحلول عام 2018. لذلك، يمكن للتكنولوجيا أن تكون حبل نجاة للاجئين، ولا يمكن أن تكون مجرد صرعة. يجب ان يكون الاهتمام باللاجئين ومساعدتهم ثابت ومستدامة. لكن هناك الكثير من المجال للابتكار. على سبيل المثال الأردن أول بلد طبقت فيه الأمم المتحدة نظام الدفع ببصمة العين لتقديم المساعدات الانسانية. ففي الأردن يمكن للاجئين شراء الطعام بغمضة عين حرفياً. وهو نفس النظام الذي استخدم لدعم اللاجئين الأوكرانيين.
من أقوى ميزات التكنولوجيا حقيقة أنها تتخطى الحدود في الوقت الذي يستمر عالمنا للأسف في وضعها. ولست أتحدث عن الحدود الجغرافية فقط، فيواجه اللاجئون عوائق قانونية وثقافية ولغوية واقتصادية يومياً. ويمكنكم جميعاً أن تطوروا حلولاً تساعد في التغلب على تلك العوائق، وسيشعر الملايين حول العالم بالامتنان لذلك.
فريدريك بلايتغين: من أحد الأمور التي ألهمتني قول قرأته لك يقول: أن الناس بطبيعتهم طيبون ويريدون فعل الشيء الصحيح إذا لم يخبرهم أحد أن يخافوا من الآخر. كيف يمكن محاربة ذلك خاصة في الأوقات التي نرى فيها استقطاباً ومشاكل اقتصادية حول العالم؟
الملكة رانيا: لطالما كان الخوف أداة سياسية فاعلة، خاصة عندما يكون الناس حائرين وقلقين على مستقبلهم. وهذا هو الوقت الذي نعيش به. كما تعلم، القادة الشعبيون والمستقطبون سيحاولون تعزيز ذلك القلق من عالم متغير بوتيرة مذهلة من خلال الإشارة إلى أهداف سهلة. يشيرون إلى العدو الذي "هناك"، سواء اللاجئين أو المهاجرين أو المسلمين أو العولمة. الناس طيبون بالفطرة، كل ما في الأمر أننا لا نتخذ قرارات جيدة عندما نكون خائفين. وعندما تكون خائفاً، يبدأ الشك بالسيطرة على التعاطف.
فريدريك بلايتغين: وقد زرت العديد من مخيمات اللجوء، أشخاص يبحثون عن ملاذ، وكذلك أنا زرت العديد منها. أجد في كل مرة أتحدث فيها إلى شخص هنا، أشعر أنه يمكن أن يكون جاري، لن أواجه أي مشاكل في أن يكون ذلك الشخص جاري. ومع ذلك، حيث أعيش في برلين هناك مأوى للاجئين بالجوار ولم أقم بزيارته.
الملكة رانيا: حسناً، كما تعلم، ربما تشعر بتلك الطريقة لأنك عرضت نفسك للعديد من الأشخاص من خلفيات مختلفة في الحياة. يسهل وبشكل مريب على العقل البشري ألا يكترث بمعاناة الآخرين، خاصة عندما لا يشبهوننا، أو عندما نجد أن أسماؤهم يصعب علينا لفظها.. تُظهر الدراسات أننا غريزياً نتفهم ألم الأشخاص الذين يشبهوننا، اما معاناة الأشخاص الذين يبدون مختلفين فلا تثير الاستجابة العقلية أو العاطفية ذاتها. وذلك الشكل من التعاطف الانتقائي، ذلك التعاطف الاختياري له تبعات حقيقية وجيوسياسية مأساوية، لأنها تمثل نقطة عمياء في إنسانيتنا، تؤثر على أين ننظر وماذا نرى. لذلك على سبيل المثال، لو كنت تتابع الأخبار في بداية اندلاع الحرب في أوكرانيا، فقد تُسامح على افتراضك أنه قد مرت عقود على عالمنا منذ أن شهد مثل هذا النزاع، لكن الأمر ليس كذلك.
وبحسب أي تعريف تستخدم، اليوم، هنالك حوالي 30 دولة حالياً في حالة حرب في عالمنا. كم من هذه النزاعات وصلت عناوين الأخبار الرئيسية وبقيت فيها لأكثر من يوم؟ كم من هؤلاء المدنيين يحصلون على الدعم الذي يحتاجونه؟ من السهل غض النظر، لكنه خطأ فادح، لأن انعدام المساواة في مكان ما لديه القدرة على إضعافنا جميعاً، في كل مكان.
ويمكنك التأكد من أنه عندما يكون هناك فوضى في بلد ما، سيتردد صدى عدم الاستقرار خارج حدود ذلك البلد. ولذلك، كما تعلم الأمر يعود لنا... لا يمكن أن نكون مسؤولين عن انحيازانا غير الإرادي. لكننا نصبح معرضين للمساءلة عندما نسمح له أن يتحكم بالسياسات.
الأخبار الجيدة هي أن التعاطف ليس مورداً محدوداً، فهو مثل العضلة. كلما مرنتها أكثر كلما أصبحت أكثر قوة. وأعتقد أن الأمر يتطلب جهداً، جهداً واعياً للتغلب على التحيز الضمني. لكن من الممكن تحويل التعاطف الاختياري لتعاطف عالمي شامل. وكما قلت، عندما تُعرض نفسك للآخرين من خلفيات مختلفة من الحياة يصبح من الاسهل أن تضع نفسك مكان الآخرين.
فريدريك بلايتغين: لذلك من المهم التواصل مع الاخرين لمحاولة التخفيف من التحيزات. لأن من بين الأمور التي لا يمكن أن نعتمد عليها في هذا هو السياسيون. علينا القيام بذلك بنفسنا، صحيح؟
الملكة رانيا: بالتأكيد علينا القيام بذلك بأنفسنا. وأعتقد أن علينا جميعاً أن نتحدى أنفسنا، أنا شخصياً أبذل جهدي، طوال حياتي ان لا أحكم على الآخرين أو أضع افتراضات عنهم. وكما قلت يتعلق الأمر بالخروج من نطاق راحتك.
ومن أحد الأمور التي تعلمتها هو أننا نضع افتراضات عن أنفسنا تماماً كما نفعل مع الآخرين، الروايات والتسميات التي نخصصها للآخرين، نفعل الأمر ذاته لأنفسنا. ونعززها باستمرار عبر حوار داخلي يخبرنا طوال الوقت "أنا كذلك" "أنا لست هكذا" "أحب ذلك، لا أحب ذلك" "أنا جيد في ذلك، أنا سيء في ذلك"، لكن ذلك النوع من الافتراضات التي نضعها لأنفسنا، في نهاية المطاف تصبح حواجز تعيقنا وتحدد المكان الذي نتحرك به والخيارات التي نتخذها.
لذلك علينا باستمرار استكشاف وتوسيع حدود نطاق الراحة الخاص بنا، لأنه فقط عندما تخرج من نطاق راحتك تبدأ بالشعور بالحيوية. لذلك عليك تحدي نفسك والذهاب إلى أشخاص قد لا تعتقد أنك ستنسجم معهم، أو الذهاب إلى أماكن أو مد يد المساعدة، حتى وإن لم يكن ذلك مجال عملك، لأنك ستشعر حينها بالحياة وأنك تتطور وتشعر بالسعادة.
فريدريك بلايتغين: وعليكم أن تساعدوننا في تكوين تلك الروابط. وأعتقد أنه من المثير للاهتمام ان كل ذلك يحدث في أوروبا. الكثير من ذلك يحدث في أوروبا، حيث توجد مجتمعات الشيخوخة التي قد تستفيد من الأشخاص الماهرين الذين يأتون هنا، الذين يحتاجون إلى الشباب للمجيء هنا.
الملكة رانيا: صحيح، أعتقد أن على عالمنا أن يتجاوز محاولة السيطرة على هجرة الإنسان إلى محاولة اكتشاف كيفية إدارتها، لأنني أعتقد أن ذلك من خصائص عالمنا. فهناك المزيد من أزمات اللجوء في الأفق مع استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.
كما تعلم، على الأرجح سيتسبب التغير المناخي في نزوح أكثر من 200 مليون شخص بحلول عام 2050. وليس هناك منظمة واحدة في عالمنا التي تشرف على تنقل الناس عالمياً ويجب أن يتغير ذلك. نحتاج رؤية وسياسة موحدة لكيفية التعامل مع هجرة الناس لأنه يمثل ذلك جزءاً من عالمنا. وعلينا إيجاد طرق لكيفية التعامل مع ذلك.
بالتأكيد إذا تمكنا من تجنب تلك الازمات في المقام الأول، فذلك الحل الافضل. لكن مع التغير المناخي للأسف الكثير من السياسات لاتزال غير منفذة، والعديد من الالتزامات تبقى على الورق. من السهل عقد مؤتمرات والخروج بقوائم أمنيات ممتازة، لكن إلى أن نخرج بقوائم عمل ملزمة تتضمن تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وغيرها، سنواصل مواجهة أزمات لجوء هائلة في المستقبل.
فريدريك بلايتغين: وفي النهاية، والوقت ينفذ لكن كما تعلمين، يمكنني الاستمرار في هذا لساعة أو ساعتين. بما أننا في هذه القمة الهامة: حقيقة الأمر أنه لن يكون هناك موارد مالية أكبر للاجئين على الأغلب. والمؤسسات كذلك. ما أهمية التكنولوجيا في محاولة زيادة التمويل ومحاولة زيادة الجهود ومساعدة اللاجئين على الانتقال والدول التي يذهبون إليها؟
الملكة رانيا: تماماً مثل أي جانب آخر من عالمنا أعطتنا التكنولوجيا أدوات لم تكون موجودة في الماضي. لذلك يمكن لحياة اللاجئ أن تكون أفضل مقارنة بحياة اللاجيْ قبل 10 أو 15 عاماً، وذلك بسبب عدد من الحلول والتكنولوجيا الناشئة التي انشأت لجعل حياتهم أفضل. ولذلك كما قلت تتخطى التكنولوجيا الحدود ويمكن نشرها على نطاق واسع. فمن السهل الخروج بحلول تساعد 50 شخصاً، لكن الحلول التي نريدها هي التي يمكنها مساعدة ملايين الأشخاص، والتي بالفعل تحقق التحول الذي نتطلع إليه.
لذلك أعتقد أن لدى التكنولوجيا القدرة على تغيير التجربة بأكملها للاجئين، وعلى مساعدة الحكومات في التعامل مع اللاجئين، لأن الحكومات ستتبنى هذه التكنولوجيا. لكن كما قلت من قبل من المهم للاستثمار أن يكون مستداماً. لا يمكن أن يكون فزعة، لأن ما يحدث أحياناً عندما تحدث أزمة وهناك تدفق للاجئين، يتركز انتباه العالم عليهم. لكن يبدو أن ذلك يدوم لفترة قصيرة جداً من الوقت قبل أن ينتقل الناس للأمر التالي. وهكذا يهتم الناس بقضية ما لفترة وجيزة فقط لكن ذلك غير كافي. عليك أن تكون موجوداً في الأجل الطويل لأن ما يحدث للاجئين على المدى البعيد هو الذي يحدد مسار حياتهم. الامر لا يعتمد فقط على المساعدات الأولية التي تقدم، بالرغم من أهميتها لإبقائهم على قيد الحياة، الطعام والدواء والمأوى مهم جداً. لكن ما نوعية الحياة التي سيحصلون عليها بعد ذلك؟ وكما تعلم متوسط الوقت الذي يقضيه اللاجئ في بلد آخر حوالي 30 عاماً. لذلك هي قضية طويلة الأجل.
فريدريك بلايتغين: الملكة رانيا شكراً جزيلاً للقدوم هنا اليوم والحديث معنا.
الملكة رانيا: شكراً جزيلاً
مواضيع مختارة
موقع جلالة الملكة رانيا العبدالله الرسمي
هذا الموقع الإلكتروني لا يدعم متصفحات الإنترنت القديمة. الرجاء تحديث متصفح الإنترنت إلى نسخة أحدث من إنترنت إكسبلورر 9
متصفح الإنترنت الذي تستخدمه قديم. لتحسين مستوى الأمان عند تصفح مواقع الإنترنت و مشاهدتها بالشكل الصحيح و بفعالية افضل قم بتحديث متصفح الإنترنت الخاص بك