شباب رائعون: حاملوا شعلة الشرق الأوسط الشجاع
ترجمة كلمة مؤتمر تجمع رجال الأعمال الفرنسيين- ميديف
السيد رئيس ميديف ... السيدات والسادة ... الاصدقاء،
أنه لمن دواعي سروري أن أكون بينكم اليوم.
أشعر بأن الجامعة الصيفية لميديف قد تصبح تقليداً عائلياً! في البداية زوجي؛ والآن، أنا. سأذهب إلى المنزل مباشرة لأخبر ابني بتطوير لغته الفرنسية !
على أي حال، فإنه لشرف لي أن أكون معكم جميعا. أشكركم على دعوتي.
عندما كان جلالة الملك هنا في عام 2008، أثنى على العلاقة الخاصة بين فرنسا والأردن... والأهداف المشتركة التي تربطنا. وتحدث عما يعدنا به مستقبلنا الجماعي الواعد... والأمن الذي يقوم عليه. وحث على النمو الاقتصادي الذي تقوده التجارة كوسيلة لضمان الوظائف والفرص لشبابنا.
لقد تغير الكثير منذ ذلك الحين.
لا تزال رؤية جلالته في السلام والازدهار للأردن والمنطقة ثابتة كما هي صداقتنا مع الشعب الفرنسي. لكن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط تعرض لتحولات مزلزلة ... تهدد ليس منطقتنا فقط ولكن ما وراء حدودها.
دخل الربيع العربي بدورة من الصراع وعدم الاستقرار. فالسياحة والتجارة تعانيان. وهناك أعداد قياسية من اللاجئين. والدول المضيفة للاجئين ترزح تحت وطأة الضغط. وداعش، التي تُدعى بالدولة الإسلامية، لا تزال تنشر أيديولوجيتها الظلامية بتكتيكات الإرهاب، وتشوه في كل منعطف ليس الإسلام والمسلمين فقط، بل وتغير النظرة العالمية للعالم العربي.
وبينما هناك جهد عسكري منسق ضد هذه العصابة، إلا أننا نحن المسلمون المعتدلون في جميع أنحاء العالم لا نفعل ما يكفي لكسب الصراع الأيديولوجي الذي هو في قلب هذه المعركة.
بالطبع، نحن لا نساعد داعش، لكننا لا نفعل ما يكفي لنوقفهم. ولا يمكن لنا أن نقف ضدهم حتى نتفق فيما بيننا، على ما نمثله كمسلمين. ولن نتوافق على أي شيء حتى يكون بيننا حوار مفتوح ونزيه وان كان صعباً، حول جوهر الإسلام ... ما الذي نمثله كمسلمين ... وكيف نواجه هذا الفكر المتطرف الذي ينمو بمعزل عن دين السلام والرحمة: الإسلام.
وفي ذات الوقت، داعش ماضٍ في تحقيق الأهداف قصيرة وطويلة الأجل. في سوريا والعراق، تغتصب الأراضي ... وتغرس الخوف ... وتقتل الآلاف.
وأبعد من ذلك، انها تستحوذ على مساحات إخبارية واسعة بمهارة عمالقة الإعلام، يوصمون منطقتنا على أنها دول دموية ينعدم فيها القانون. كل عنوان من الرعب ... كل فيديو دموي بشع ... يسلب الثقة العالمية بالمنطقة، ويزرع بذور الخوف ... كلها لتبرير أجندتهم الظلامية، ولتضخيم صفوف أتباعهم فاقدي الأمل. لتدمير ما تم بناؤه وجر المنطقة إلى العصور المظلمة.
وكأي حملة إعلامية استراتيجية، حملتهم تنجح. فالتصورات حول المنطقة آخذة في التغير. كل ما يميز منطقتنا - ثقافاتنا المتنوعة ... السياحة البيئية الفريدة ... التقنيات المزدهرة ... الشباب المبتكرون ... كلها تضيع في ضباب السلبية.
صدقونني؟ دعونا نجرب لعبة ارتباط الكلمات.
أقول "الشرق الأوسط" ... بماذا تفكرون؟ الأراضي التي يرجع تاريخها إلى العصور القديمة؟ الصحراء التي اشتهرت من خلال لورانس العرب؟ الشعاب المرجانية للبحر الاحمر؟ البتراء المدينة الوردية؟ أكثر الشعوب المضيافة التي قد تلتقيها؟
على الأغلب لن تفكروا بكل ذلك، والاحتمال أنكم ستفكرون في الصراع ... الإرهاب ... وعدم الاستقرار. أو الوجهة الأقل احتمالا لقضاء عطلتكم.
ثانية. أقول "مسلم" ... بماذا تفكرون؟ شخص يحب دينه ويحب السلام؟ شخص يساعد جاراً وقت الحاجة؟ شخص يُكرم والديه وعائلته؟ شخص تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؟
أود لو أنكم تفكرون بتلك الطريقة، ولكن أعتقد أنكم تفكرون بالمتطرفين العنيفين ... بقطع الرؤوس ... بالتفجيرات ... وحمامات الدم.
وأتوقع أنه بعد المجزرة في مكاتب "تشارلي ابدو"، ترسخت تلك التصورات أكثر.
لا شك في أن هذه التصورات تزيد من صعوبة الواقع القاسي. إننا نواجه خطرا كبيرا. ولكن، كما قال فيكتور هوغو: "في المخاطر الكبيرة جمال، هو أنها تسلط الضوء على الأخوة بين الغرباء".
الآن أكثر من أي وقت مضى منطقتنا تحتاج الأخوة العالمية.
وأكثر من هم بحاجة صداقة الغرباء .. صداقتكم أنتم، هم شبابنا الرائعون. وخاصة الشباب اللاجئين الذين يجب ان يسعوا وراء أحلامهم وتحقيق طموحاتهم، مثل أقرانهم هنا في فرنسا وجميع أنحاء العالم. ولكن، بدلا من ذلك هم محاصرون في صراع ليس من صنعهم ... ومستقبلهم موقوف.
لكنهم ليسوا وحدهم في مواجهة العقبات. الكثير من الشباب في العالم العربي يواجهون يوميا تحديات العيش في منطقة غير مستقرة. التحدي الأكبر هو أن ربعهم عاطل عن العمل. حتى مع الشهادات المدرسية والجامعية، يجدون أن مهاراتهم لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل اليوم، أو أن الوظائف غير متوفرة.
لذلك، يمكن أن لا تلوموهم على مشاعر الإحباط.
لكنهم ليسوا كذلك، فالعديد منهم يثبتون أنه في كثير من الأحيان نرى في ظلمة السماء الحالكة اكثر النجوم لمعانا. فبينما يحاول داعش جرنا إلى الوراء، شبابنا يدفعوننا إلى الأمام، ويحتضنون مستقبل القرن 21. متعطشون للنجاح وحريصون على الاستفادة من المشهد الرقمي الجديد، وكثير من الشباب العرب بدأوا شركاتهم الناشئة.
شركات مثل (Bee Labs)... شركة الألعاب الأردنية التي طورت لعبة حرب الشباشب (Shibshib) وحصلت على المرتبة الاولى لأفضل تطبيق جديد على متجر(أبل).
أو تطبيق "وصلني" (Wasselni) لمريم أبو عطيوي من غزة، الذي يردد خدمات مثل Lyft.
أو (Clear Day) وهو أكبر تطبيق للطقس في العالم، من تصميم عمر رمضان من مصر.
وهذه النجوم الساطعة ليست وحدها. فتقدر دراسات حديثة أن الزيادة في الشركات الناشئة في المنطقة كانت ثمانية أضعاف، في الفترة بين عامي 2005 - 2011.
وتنعكس روح "الهمة" في دراسة عن الشباب العربي لهذا العام والتي بينت أن اثنين من كل خمسة من شبابنا الرائعين - اي 39 ٪ - ينوون بدء شركاتهم في السنوات الخمس المقبلة. هذه أخبار رائعة.
ولكن ماذا عن الآخرين الذين لا يمكنهم بدء شركاتهم الناشئة ... العثور على وظائف ... أو بناء المستقبل الذي يريدون؟ الذين لا يستطيعون التغلب على عقبات عدم الاستقرار أو مواجهة التصورات السلبية لأوطانهم؟
ليكون شبابنا رائعين حقا وليدركوا المستقبل الرائع، هم بحاجة لثلاثة أمور. التعليم والفرص والوظائف. وأنا سأضيف الرابع؛ انهم بحاجة لمن يؤمن بهم.
بدون شك، أفضل بداية في الحياة لكل طفل هو التعليم. لذلك، في الأردن، نحن بصدد إصلاح نظام التعليم لدينا على كل المستويات، بما في ذلك الاستثمار في المعلمين والتكنولوجيا.
في العام الماضي، أطلقت إدراك - وهي مبادرة لتقديم الدورات المفتوحة الواسعة النطاق باللغة العربية على الانترنت. وكان رد الفعل كبير. في عام واحد فقط، كان هناك أكثر من 220 ألف مسجل. وأكثر من 12 ألف أكملوا دورات في ريادة الأعمال ... والإعداد للمقابلة... وعلم الحاسوب ... والطاقة المستدامة ... وصناعة الأفلام وأكثر من ذلك بكثير.
وبعبارة أخرى شبابنا متعطشون للمعرفة والمهارات. امنحوهم فرصة ... وسيستفيدون منها بكل تأكيد.
لذلك، نحن بحاجة إلى الاستثمار في المزيد من الفرص، كالتدريب وبرامج الارشاد. وحاضنات الأعمال والمبادرات التي من شأنها مساعدتهم في القيام بالخطوة الأولى.
الأهم من ذلك، يجب علينا توفير المزيد من فرص العمل.
وهذا ليس بالأمر السهل. نحن بحاجة إلى إيجاد أكثر من 100 مليون وظيفة بحلول عام 2020 لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل فقط.
وعندما أقول "نحن"، اعني كل واحد منا. الحكومات والقطاع الخاص، وأهل الخير والمجتمع المدني، في الشرق والغرب، والعمل معا، والاستثمار في شبابنا.
ذلك ليس خياراً خيالياً، بل هو حتمية. ولا مجال للفشل. لأن فشلنا يعني تفوق المتطرفين، وبنجاح المتطرفين ستتأثر المنطقة، وبسرعة. وإذا حدث ذلك، فإن العالم سيشعر بالهزات الارتدادية لفترة طويلة قادمة.
لذلك، علينا أن نوفر وظائف وفرص لشبابنا. ليس فقط لأجلهم بل من أجل الأمن الجماعي في منطقتنا وعالمنا.
ففي النهاية، في الوقت الذي يشق فيه الشباب العربي طريقه في الحياة ويبحث عن النجاح سيعيد بناء وتغيير النظرة نحوالعالم العربي. هم رجال الأعمال والمبتكرين. والوسطاء وصانعو السلام. كبار المديرين التنفيذيين وأصحاب النفوذ في وسائل الاعلام الاجتماعي. هم الذين سيرسون أسس لغد أكثر أمانا وازدهارا واستقرارا، لنا جميعا.
لذلك، يجب أن نؤمن بهم ... ونستثمر فيهم. وأطلب من كل واحد منكم القيام بدوره. لأنه لم يكن هناك وقت أفضل للاستثمار في الشرق الأوسط من الأن، والعوائد عالية: ماليا ... واجتماعيا ... وسياسيا ... ومعنويا. والخاسر الوحيد هم المتطرفون.
قبل سبع سنوات، قال جلالته في خطابه أمام جامعة ميديف الصيفية : فنحن لن نسمح لحالة عدم الاستقرار الإقليمي والأزمات التي تشهدها المنطقة بتشكيل مستقبلنا.. بدعمكم، وبالأخوة بين الغرباء الذي سيصبحون قريبا أصدقاء، لن يحدث ذلك. بل سوف يكون شبابنا الرائعون حاملوا شعلة الشرق الأوسط الشجاع.
مواضيع مختارة
موقع جلالة الملكة رانيا العبدالله الرسمي
هذا الموقع الإلكتروني لا يدعم متصفحات الإنترنت القديمة. الرجاء تحديث متصفح الإنترنت إلى نسخة أحدث من إنترنت إكسبلورر 9
متصفح الإنترنت الذي تستخدمه قديم. لتحسين مستوى الأمان عند تصفح مواقع الإنترنت و مشاهدتها بالشكل الصحيح و بفعالية افضل قم بتحديث متصفح الإنترنت الخاص بك