كلمة الملكة رانيا في المؤتمر الثاني لمنظمة المرأة العربية

November 11, 2008

أبوظبي, الإمارات العربية المتحدة

سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة منظمة المرأة العربية،

صاحبات السمو والفخامة،،

أصحاب المعالي والعطوفـة والسعادة ،،

السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتـه،،

بداية أود أن أتقدم لكـم جميعا بالشكر والامتنان على جهودكم المتواصلة، واخص بالشكر سمو الشيخة فاطمة بـنت مبارك، واتمنى لسموها التوفيق في رئاستها للمنظمة .

تغيرت ملامح عالمنا العربي كثيرا خلال السنوات الثماني الماضية، ومنذ تأسيسِ منظمة المرأة العربية رسميا في آذار عام ألفين وثلاث.

ثمان سنوات حافلة تغير فيها العالم وتغيرت بلداننا وغيرت بدورها ... وكوطنٍ عربي واحد أصبحنا أكثر تعلما ... أكثر انجازا ... أكثر معرفةً .. وأكثر إصرارا على التقدم واختصار المسافات باتجاه تحقيق مجتمع عربي فاعل ومتفاعل، نساؤه ورجالـه.

عام ألفين وصف الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك الأمن الإنساني بأنه "التحرر من الخوف والتحرر من الحاجةْ". الخوف من العدوان أو القتل أو تفشي الجريمة والمرض والكوارث الطبيعية.

للأسف بعض دولنا العربية تقبع إما تحت احتلال أو ضحية تبعاته ..

وهناك ... لا تحرر من الخوف، وما أمس الحاجة.

الحاجة هي ما يعاني منها ثــلـث سكان البلدان النامية القابعين تحت خط الفقر، والغلاء يطال العالم بأكمله ويداه تعبثان اكثر في البؤر المحتاجة والجائعة . وكما يقال: ان جاعت البطون ذهبت العقول ...

نعم هذا لقاء منظمة المرأة العربية، لكن المرأة العربية جزء لا يتجزأ من مجتمعها، مجتمع اعتاد في الماضي أن تكون النساء فيه آخر من يأكل، وآخر من يتعلم، وآخر من يختار، خاصة وإن قلت الموارد ..

منذ عام ألفين، ونحن نعمل جاهدين على إعطاء نساءنا حقوقهن المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والأهم: التعليمية والتوعوية.

نرمي لأن يكون الجيل القادم من النساء والرجال واع بحقوقه وواجباته، ولا أداة اكثر فاعلية من التعليم لتوعية وتقويم الأجيال، والنهوض بالمرأة، لتعرف حقوقها قبل أن تطالب بتنفيذ واجباتها، نحو عائلتها، ومجتمعها.

في الأردن، أدركنا مبكرا أهمية التعليم في تحقيق جميع أهدافنا، وبادرنا منذ سنوات بالعمل على جعله الأرضية التي تنمو منها جميع أوجه التنمية الأخرى، ومؤخرا بدأنا بالعمل على إصلاح مدارس المملكة بالاشتراك مع القطاع الخاص للارتقاء بمستواها التعليمي وتوفير بيئة تعليمية آمنة وصحية.

تلكَ المبادرة، اسمها "مدرستي" .. جعلَت من التعليم مسؤولية اجتماعية ..

وتزداد يومياً أعداد العاملين على تطوير المدارس حرصاً من المجتمع على مبدأ الشراكة والمشاركة في تعليم تستحقـه أجيال الغد ... أبناؤهم وجيرانهم وأحفادهم. لذلك وضعنا ثقتنا بالمجتمع كما وضع ثقته بنا ... نرسم الطـرق ونشقـها معاً. لينشأَ جيل كامل قادر على تحقيق التعايش والانتاج في عصر المعلوماتية واقتصاد المعرفة ، في عصر الغلاء والفرص والحقوق والواجبات .

أنجزنا الكثير من أساسيات التنمية الاجتماعية في الاردن، فانخفضت نسبة الأمية إلى ثمانية بالمئة تقريباً، وسنمحوها بحلول عام ألفينِ وعشرين بإذن الله. وارتفعت نسبة تمثيل النساء في السلطتين التشريعية والتنفيذية: نساؤنا في القطاع الخاص والعام والمحاكم والجيش، ولهن الخيار القانوني لاختيار مهنتهن وبصمتهن بأنفسهن وبكفاءتهن.

مستـقـبلـنا العربي يزداد إشراقاً رغم بطء انقشاع الغيمات ...

نعم تضاعفـت نسبة النساء في البرلمانات العربية خلال الأعوام الثمانية الماضية، لكننا على هذا المعدل نحتاج إلى عشرين سنة إضافية للوصولِ إلى نسبة ثلاثين بالمئة! عشرون عاماً للوصول الى النسبة التي نصت عليها توصيات مؤتمر بكين.

نعم الطريق طويل لكن خطانا متسارعة باتجاه أهداف واضحة لا تبدو الآن بعيدة كما كانت عام ألفين.

والتغييرات الكبيرة عادة ما تبدأ بخطوة صغيرة ، من طريقة تفكيرنا .. لتغيير المفاهيم وتوضيح الحقوق والواجبات وتمكين وتعزيز التكافـل والتكافـؤ، تبدأ من تنوير العقل وتعليمه ..

أخواتي الفاضلات، أنا كما أنتـن لن أتوقف عن العمل وعن الدعم والمبادرة لتحقيقِ ذلك لا في الأردن فقط بل في عالـمنا العربي على حد سواء، لأننا لا نعيش بمنأى عن بعضنا البعض، فالعادات والتقاليد والحدود والهوية تجعل تحدياتـنا مشتركة، مخاوفنا متشابهة ، وحاجاتـنا متشابكة، وتجعل أمننا الانساني العربي مسؤولية ملقاة على عاتقنا جميعا ً ..

وأمن نصف المجتمع العربي ملقى على عاتق هذا الحضور القيادي الكريم، لتختار جميع النساء العربيات متى تأكل، وكم تتعلم، وماذا تمتهن، ومن تتزوج، وماذا تختار، حتى وإن قلت الموارد ..لأن قلة الموارد لا تعنى تقطع السبل و تكتيف السواعد وتكميم الأفواه.. فالإرادة لا تكبّل، و الأفق لا يضيق إلا بضيق الرؤية، فمن يقف على القمة يقدر له أن يجمع الرؤية وإرادة التغيير. نحن على هذه القمة، ومسؤوليتنا أن نمد يدنا الى كل إمرأة لنريها أفاقها اللا محدودة .

شكرا لرؤيتكم، و عزيمتكم، و أيديكم الممدودة.