ترجمة مقابلة الملكة رانيا مع شبكة اي بي سي نيوز

25 أيلول 2024

لينزي ديفيس: جلالة الملكة، نشكرك على التحدث معنا ومنحنا هذا الوقت اليوم. نقدر ذلك. نحن اليوم على بعد أيام فقط من مرور عام على بدء الحرب بين إسرائيل وحماس. لقد لقي ما لا يقل عن 41 ألف فلسطيني حتفهم، آلاف منهم من الأطفال، وتشير التقديرات إلى أن هناك ما يقرب من مائة رهينة ما زالوا في غزة حتى الآن. أعلم أنك قلت ان المضطهدين والمظلومين لا يحتاجون إلى تغيير في العقلية، قلتِ إنهم يحتاجون تغييراً في الظروف. بتقديرك، من أو ماذا يمكن أن يحقق ذلك التغيير في الظروف؟ 

الملكة رانيا: في البداية، شكراً على استضافتي. كما تعلمون هذه الحرب غير مسبوقة من حيث نطاقها ووحشيتها. لقد تم ضرب غزة، التي تبلغ مساحتها ثلث مساحة نيويورك، بكم من المتفجرات تفوق تلك التي ضربت بها دريسدن وهامبورغ ولندن مجتمعة طوال الحرب العالمية الثانية. لذا، لدينا أعلى معدل وفيات بين كل الصراعات في هذا القرن، و70% من القتلى من النساء والأطفال.

غزة تحطم كل الأرقام القياسية وبأسوأ الاشكال: أعلى معدل للجوع. أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف، أعلى مستوى من الدمار في البنى التحتية المدنية. لقد تم تدمير مبنيين من كل ثلاثة مبانٍ، دُمرت معظم المدارس والمستشفيات وكل الجامعات. وقُتل في هذه الحرب عدد أكبر من الأطفال والصحفيين وعمال إغاثة وأفراد طواقم طبية من أي حرب أخرى. لذا هذه ليست حرباً دفاعية أو حرباً عادية.

لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها. لكن ما نراه هنا هو في الواقع مجزرة. ونحن نقترب من الذكرى الأولى لأحداث السابع من تشرين الأول، وقد قلنا منذ اليوم الأول أن قتل المدنيين أمر خاطئ. لكن الرد على أحداث السابع من تشرين الأول غير مبرر. ما نراه اليوم هو انتهاك للقانون الدولي، وسابقة جديدة في عالمنا.    

ويبدو الأمر أحياناً وكأن العالم يعمل وفق نهجين مختلفين. يتم الاعتراف بمعاناة الإسرائيليين، في حين يتم اعتبار الألم الفلسطيني امراً عادياً، بل ويتم تبريره. يبدو أحياناً وكأن إسرائيل هي الاستثناء لكل قاعدة تحكم عالمنا، والفلسطينيون هم الاستثناء في الحصول على حقوق الانسان العالمية. والسبب في وصولنا إلى هذه المرحلة هو أن العالم فشل. لم يكن هناك أي استجابة عالمية تسحب الدعم من إسرائيل أو تفرض عقوبات عليها أو تضع أي كلف وتبعات على أساس هذه المشكلة، وهو الاحتلال غير الشرعي.

لذلك، عندما تتمكن دولة من الإفلات من العقاب إلى هذا الحد، فإن إسرائيل أصبحت أكثر جرأة لكسر المزيد من الحدود القانونية والأخلاقية. والإفلات من العقاب لا يصحح نفسه أبداً. بل ينمو فقط من خلال التهاون. وما نراه هنا يتجاوز التهاون. فعندما لا يكون الخط الأحمر خطاً أحمر حقاً، فإنه يصبح بمثابة ضوء أخضر ويصبح إذناً، والفلسطينيون يدفعون الثمن الأغلى مقابل هذا "الإذن" بكسر كل المعايير. وهذا له عواقب خطيرة حقاً على عالمنا، لأنه يتم وضع معيار جديد، وسابقة جديدة، ووضع طبيعي جديد.

هل ما نقوم بقوله هو إن استخدام التجويع كسلاح حرب أمر مقبول؟ وكذلك استهداف قوافل المساعدات، واستهداف الملاجئ التي تؤوي المدنيين، وفرض العقاب الجماعي؟ ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لعالمنا اليوم؟ إذا جرى تقويض سيادة القانون، فهل يمكن حقاً محاسبة أي دولة أخرى على أفعالها؟ إذا كنا ننتقد روسيا بسبب سلوكها في أوكرانيا، فلماذا نتغاضى عما يحدث، وهو أسوأ كثيراً.

لينزي ديفيس: قلت إن المجتمع الدولي يُراوح مكانه وكما تعلمون، فإن عدداً من أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم يجتمعون هنا في نيويورك هذا الأسبوع لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فما هو الرد المناسب في اعتقادكم من قادة العالم وبالأخص، دور الولايات المتحدة؟

الملكة رانيا: كما قلت، يبدو أن إسرائيل تُصعد بدلاً من التهدئة. وفي الوقت الذي تشن فيه حرباً على غزة، شهدنا تصعيداً في ممارسات العنف في الضفة الغربية، حيث لا وجود لحماس في الضفة الغربية. أدت أشهر من القتل والمداهمات والاعتقالات الجماعية والعنف من قبل مستوطنين غير شرعيين مسلحين تحت حماية الجيش الإسرائيلي إلى أعلى مستوى من العنف في الضفة الغربية في السنوات العشرين الماضية.

وتستخدم إسرائيل في الضفة الغربية الأسلوب ذاته الذي تتبعه في غزة: تدمير البنى التحتية، وقطع الكهرباء والغذاء والمياه. ويرى عديدون في هذا النهج خطوة أخرى في استراتيجية إسرائيل المتبعة لعقود من السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، وسياستها الاستيطانية التوسعية: جعل الحياة بائسة إلى أبعد الحدود لسكان الضفة الغربية، وطردهم، ومن ثم سلب منازلهم وأراضيهم.

والآن نرى في لبنان تصعيداً خطيراً آخر. وبات خطر التصعيد الإقليمي مرتفعاً إلى مستوى خطير الآن. وكان يوم أمس هو الأكثر دموية، حيث قُتل حوالي خمسمائة لبناني. فيما شهدنا خلال العام الماضي مقتل 600 شخص.

العنف المتبادل بين حزب الله وإسرائيل ليس جديداً في منطقتنا. وتاريخياً، التزما بقواعد اشتباك أبقت المواجهة ضمن حد معين لتجنب حربٍ مفتوحة. وكان واضحاً منذ اليوم الأول أن حزب الله، وإيران أيضاً، لا يريدان تجاوز هذا الحد. ورأينا في رد إيران عندما اغتيل دبلوماسيوها في سوريا - ردوا ثم قالوا إن هذا الرد سيكون هو النهاية. وقال حزب الله الشيء ذاته، إنه لا يريد حرباً مفتوحة. ومع ذلك، أعتقد أن حسابات إسرائيل مختلفة قليلاً. يبدو أنهم يريدون التصعيد ويستخدمون إيران كذريعة. إيران – وأنا لا أدافع عن سياسات إيران ولا عن خططها في المنطقة. لكن السابع من تشرين الأول لم يحدث بسبب إيران، وهذا الصراع على وجه التحديد هو نتيجة الاحتلال غير الشرعي والقمع المتواصل لستة عقود. الأمر لا يتعلق بإيران فقط.

ولكن يبدو أن إسرائيل تُصعد، وأعتقد أن جزءاً من السبب يعود لحسابات نتنياهو السياسية الخاصة، بسبب الظرف الذي هو فيه. وربما يُبالغ أيضاً في التعويض عن الفشل في تجنب أحداث السابع من تشرين الأول، وهو فشل أمني من جانبه. وبالتالي يحاول استمالة الأفراد الأكثر تطرفاً في حكومته. وبصراحة، إنه يفعل ذلك لأنه يستطيع الإفلات من العقاب.

لينزي ديفيس: ما مدى قلقك، بناءً على ما يشهده لبنان مرة أخرى من أكثر الأيام دموية منذ عام 2006، من أن يؤدي ذلك إلى حرب أوسع نطاقاً في المنطقة، وما الذي يمكن القيام به لمنع ذلك، وخاصة من قبل الولايات المتحدة؟

الملكة رانيا: أنا قلقة جداً بشأن ما يحدث، وأعتقد أننا اليوم بتنا أقرب من العام الماضي إلى حرب إقليمية. وأعتقد أنه قد حان الوقت ليتحرك المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة.

أعتقد أن التعبير عن القلق أو حتى الدعوات إلى وقف إطلاق النار لا معنى لها طالما يتم الاستمرار في إمداد الأسلحة التي تقتل المدنيين. الجواب ليس المزيد من الأسلحة أبداً؛ فهذا يؤدي إلى المزيد من العنف والمزيد من التصعيد فقط. والدعم الأمريكي، الدعم الشامل لإسرائيل، تجاوز أي حسابات سياسية منطقية. للولايات المتحدة نفوذاً عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً يمكنها استخدامه مع إسرائيل، وعليها البدء في استخدامه. ليس فقط لأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وليس فقط لأنه يجب احترام القانون الدولي، لكن لأن هذا أحد أعلى معدلات القتل التي شهدناها في هذا القرن، ولأن مخاطر التصعيد مرتفعة جداً الآن.

ودعوني أكون واضحة، لن يربح أحد من مثل هذا التصعيد. ولا أحد سيعلم الآخر درساً. لذا، أعتقد أنه يكفي هذا القدر من التباهي والتبجح والتنمر المستخدم مثل الأطفال في ملعب أننا سنلقنكم درساً.

إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق أهدافها، حتى لو قتلت كل مقاتل من حماس وحزب الله، فإلى متى سيحافظ ذلك على أمن إسرائيل؟ فطالما هناك احتلال غير شرعي وساحق، وطالما يُحرم الناس من حقوقهم الإنسانية الأساسية وحرياتهم، فستبقى هناك مقاومة دائماً. وفي الوقت الحاضر، مع التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي وأدوات التواصل، لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً ليتمكن الناس من إعادة تنظيم صفوفهم والمقاومة مرة أخرى. والطريق الحقيقي الوحيد لتحقيق الأمن في المنطقة، ولشعب إسرائيل، واليهود في جميع أنحاء العالم الذين يتم تحميلهم أحياناً المسؤولية بشكل غير عادل عن أفعال هذه الحكومة، هو عبر اتفاق سلام عادل وشامل يعالج ويعطي حقوقاً للجانبين.

لينزي ديفيس: باعتقادك ما مدى المسؤولية التي تتحملها حماس فيما يحدث حالياً في غزة؟

الملكة رانيا: السابع من تشرين الأول نفذته حماس، لكن الأشخاص الذين يدفعون الثمن هم المدنيون الأبرياء. وكما قلت، الغالبية العظمى للقتلى البالغ عددهم 41 ألفاً هم من النساء والأطفال.

لينزي ديفيس: لكن هناك من سيقول إن السبب في ذلك هو اختباء حماس في المستشفيات والمدارس والملاجئ، أليس كذلك؟

الملكة رانيا: في البداية، أعتقد أن الأعداد تُناقض حجة ‘الدروع البشرية’. فعدد القتلى غير متكافئ مع الحجة ولا يمكن تفسيره أو تبريره. وكما تعلمون، غزة واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم، وبالتالي فإن أي مكان تتواجد فيه حماس لا بد أن يكون فيه مدنيون. وإن كنت تعلم بوجود أحد العناصر هناك، وإن كنت متأكداً من وجود مدنيين هناك، فإن استهداف تلك الأماكن يعد أمراً غير قانوني.

وعندما نتحدث عن الدروع البشرية، فهذا إجراء روتيني يتبعه الإسرائيليون، ورأينا ذلك مراراً وتكراراً، فعندما يقومون بمداهمات، فإنهم يأخذون المدنيين، المدنيين الفلسطينيين. ورأيت ذلك مؤخراً، حين أطلقوا النار على رجل فلسطيني وربطوه على غطاء محرك سيارتهم وقادوها به داخل مدن فلسطينية. وهذا يحدث طوال الوقت ولكنهم لا يتحدثون عن الدروع البشرية هناك أبداً. لذا، مرة أخرى، السبب الجذري لهذا الصراع... لم يبدأ هذا الصراع في السابع من تشرين الأول. وأشعر بالاستغراب من اضطراري لتذكير الناس بهذا طوال الوقت. فالأمر لا يتعلق بحماس أو السابع من تشرين الأول فحسب. وإذا اختفت حماس غداً، فإن هذا الصراع سيستمر. فهذا الصراع أقدم من حماس بفترة طويلة، ومن المرجح أن يستمر.

لينزي ديفيس: إذن ما الطريق إلى الأمام؟ من الواضح أنكِ تدعمين حل الدولتين ولكن في الوقت الراهن، ماذا يحدث للشعب الفلسطيني؟ ماذا يفعلون؟ أعني حتى لو انتهى إطلاق النار اليوم، فإنهم يعيشون في مدن تحتاج إلى إعادة الاعمار بأكملها.

الملكة رانيا: أعتقد أن الخطوة الأولى الآن هي محاولة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار. والسبب الواضح لعدم التمكن من تحقيق ذلك هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعمل على كسب الوقت. ففي كل مرة يقترب فيها الطرفان من التوصل إلى اتفاق، يقوم بوضع مجموعة جديدة من الشروط أو العقبات في اللحظة الأخيرة. لذا يجب وقف القتال على الفور، وهذا من شأنه أن يخفف من التصعيد على الجبهة اللبنانية وكل الجبهات الأخرى.

ويحتاج المجتمع الدولي إلى معالجة جذور هذه القضية. وفي الماضي فشلت محادثات السلام، بسبب استخدام نفس المعادلة. لم تكن هناك كلف أو عواقب لردع الاحتلال، لذلك شعرت إسرائيل بالاستقواء وقامت ببناء المزيد من المستوطنات، والاستيلاء على المزيد من الأراضي. لم يتم بذل أي جهد لتطبيق القانون الدولي. لذا أشعر أنه للتعامل مع عملية السلام نحن بحاجة إلى مجموعة من المعايير أو الأسس التي يمكننا جميعاً الاتفاق عليها، والتي يمكن أن تكون نقطة البداية. وبغير ذلك، سيبقى السلام بعيد المنال ولن نصل إلا إلى نهاية مسدودة ودموية أخرى.

فعلى سبيل المثال، لابد وأن تكون نقطة البداية هي تطبيق القانون الدولي دون استثناءات. ومن الممكن أن تكون هناك مفاوضات وتنازلات، كما هو الحال في أي اتفاق سلام. ولكن نقطة الانطلاق، أو الأرضية التي ينبغي الارتكاز عليها، لابد وأن تكون القانون الدولي. وثانياً، حقوق الإنسان عالمية ولا ينبغي التفاوض عليها لكسبها. فلكل من الفلسطينيين والإسرائيليين الحق في السلام والأمن وتقرير المصير، بغض النظر عن أيا هو الطرف الأقوى. وثالثاً، الأمن ليس لعبة محصلتها صفر. فلفترة طويلة، كان الإسرائيليون يحاولون حماية أمنهم من خلال حرمان الفلسطينيين من ذات الحق. إن انعدام الأمن لأي من الجانبين لا يخدم الجانب الآخر، بل يعزز فقط حلقة الانتقام والقمع. والسبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو أن ينعم الجانبان بالسلام. ورابعاً، المحاسبة ــ فلا يمكن أبداً أن تتحقق العدالة دون المساءلة. فعندما ترتكب دولة ما خطأ ما، فإنها لابد وأن تواجه بالعواقب وليس بالاستثناءات. وأخيراً، لا يجوز أن نصبح رهائن للأصوات المتطرفة، الأصوات التي تصفق للمجاعة والتهجير، والتي تشجع العقاب الجماعي، والتي تدافع عما لا يمكن الدفاع عنه، وتبرر ما لا يمكن تبريره. لا يمكن لهذه القوى أن تقودنا.

إذا تمكنا من الاتفاق على هذه المبادئ الخمسة كنقطة انطلاق فسنتمكن من الوصول إلى وضع يُمكننا من إيجاد سلام عادل في منطقتنا. وأقول ان الاجراءات الأمنية، والمزيد من الحروب، والمزيد من الأسلحة ليست هي الحل. يتعين على المجتمع الدولي أن يقرر... يتعين عليه اتخاذ قرار: إما أن يثبت أن القانون فوق السياسة والقوة، أو يعترف بأن النظام العالمي المفترض أنه قائم على القواعد، تنطبق قواعده على الضعفاء فقط. وهذا قرار يتعين على المجتمع الدولي اتخاذه.

لينزي ديفيس: لدي الكثير من الأسئلة الأخرى، ولكن للأسف، لم يعد لدينا الوقت. أشكرك جزيل الشكر على تخصيص الوقت للحديث معنا.

الملكة رانيا: شكراً جزيلاً، من دواعي سروري. شكراً لكِ.