ترجمة لمقابلة الملكة رانيا على قناة سي بي إس لبرنامج فيس ذا نيشن مع الإعلامية مارغريت برينان في نيويورك
مارغريت برينان: جلالة الملكة شكراً على تخصيص هذا الوقت لنا.
الملكة رانيا: شكراً، من دواعي سروري أن أكون معكم.
مارغريت برينان: للأردن مستشفيين ميدانيين في غزة. ويساعد الأردن على إدخال المساعدات إلى القطاع. تقدر الأمم المتحدة أن على الأقل 15 ألف طفل قُتلوا منذ بداية هذه الحرب في تشرين الأول. ما اتأثير الحرب في المنطقة؟
الملكة رانيا: في البداية، أصبح التعرف على غزة في الأشهر السبعة الماضية غير ممكنا. مدن بأكملها تحولت إلى أراضٍ قاحلة، أطفال سعداء في مرحلة النمو أصبحوا مجرد عظم وجلد. 2,3 مليون شخص في منطقة محصورة يعيشون جحيماً كل يوم. تم تهجير 1,7 مليون شخص منهم وليس مرة واحدة، بعضهم أكثر من مرة. ويعيشون حالياً في ظروف لا يمكن تصورها في ملاجئ مؤقتة وخيم على قارعة الطريق. سمعت اليونيسف من فتيات مراهقات يقلن إنهن يفضلن أن يقتلوا على العيش في مثل هذه الظروف. واستشهد الكثيرون، حوالي 35 ألف شخص و70% منهم نساء وأطفال، كما ذكرتِ منهم حوالي 15 ألف طفل. للأسف غزة فيها الآن أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف، وكل بضعة أيام، يموت أطفل من الجوع. نحن في العالم العربي نشاهد هذه الحرب في بث حي يومياً، أصبح جزءا أساسياً من حياتنا وأمرا مدمرا للغاية. وكان الأثر أنه بالتأكيد ترك الناس مصدومون للغاية مما يشاهدونه يومياً. صُدمنا مما حدث في السابع من تشرين الأول، لكن بعدها هذه الحرب. تقول إسرائيل أنها كانت حرب دفاعية، من الواضح أن السابع من تشرين الأول هو ما أشعلها، إلا أن الطريقة التي يتم المحاربة بها ليست طريقة دفاعية. 60% من المنازل دُمرت، و80% من المرافق الطبية والمدارس دُمرت، هل من المفترض أن نصدق أن محاربا من حماس كان في كل واحدة منها؟ كان الأثر كبير جداً علينا.
أعتقد أن الناس – لست متأكدة مما إذا كان المشاهدون يعرفون هذا –ينظرون إلى الولايات المتحدة كطرف في هذه الحرب. لأن المسؤولون الإسرائيليون يقولون إنه بدون دعم الولايات المتحدة لم يكن بإمكانهم شن هذه الحرب. أوقف المصدر وستتوقف الأسلحة. لذا هنالك غضب في منطقتنا من العالم، وليس فقط بسبب ما يحدث، لكن من ردة فعل العالم. عندما نرى هذه الانتهاكات، انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي، ونشاهد العالم وهو يسمح بحدوث ذلك... عندما حدث السابع من تشرين الأول، أدانه العالم بحق، واتخذ إجراءات قوية، ومواقف قوية. نحن غاضبون من عدم حدوث الأمر ذاته عندما يُقتل الفلسطينيون. وهناك ذلك الشعور بالتطبيق الانتقائي للقانون الإنساني والشعور بالظلم، شعور بأن حياتنا ليس لها ذات القيمة. وهذا شيء أعتقد أنه بالتأكيد يتسبب بخسارة كبيرة لمصداقية الولايات المتحدة، كما أنه يتسبب في إعادة تفكيرنا لنظرتنا بالمنظومة العالمية. وعلى قدر وحشية وبشاعة الحرب في غزة، يبدو حال منظومتنا العالمية المستندة إلى ألاسس والقواعد أكثر سوءاً. ينظر الناس إلى غزة كانعكاس لبقية عالمنا، حيث القواعد غير مهمة، وحيث القانون الدولي غير مهم، وحيث يمكن تجاهل قرارات الأمم المتحدة. وأعتقد أن ذلك يشكل سابقة خطيرة جداً لأن مثل هذه التصرفات، ليست خيانة لأهل غزة فقط، بل هي في الحقيقة خيانة للضمانات التي تهدف للحفاظ على سلامتنا جميعاً.
مارغريت برينان: قلتِ أن الناس في بلدك يرون الولايات المتحدة كشريك فيما يحدث.
الملكة رانيا: ينظرون لها كعامل تمكين، وواضح ان الولايات المتحدة هي الدولة صاحبة النفوذ الأكبر على إسرائيل. وكما قلت، هي أكبر حليف وأكبر داعم. ويتلقى العالم العربي، بل بقية العالم في الحقيقة، رسائل مختلطة. فمن ناحية، تطالب الولايات المتحدة وبحق، بإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة. وفي الوقت ذاته، تنكر أن المجاعة هناك متعمدة. ومن ناحية، هم غاضبون من الهجمات على قوافل المساعدات، لكن في الوقت ذاته ينكرون انتهاك إسرائيل للقانون الإنساني الدولي. يعبرون عن القلق إزاء أعداد القتلى المدنيين، لكن في الوقت ذاته هناك تزويد للأسلحة الهجومية لإسرائيل التي تُستخدم ضد الفلسطينيين. لذلك إلى حد ما، عندما تحاول جاهداً أن تحقق توازنا، قد تخاطر بارتكاب خطأ ، قد تخاطر بانهيار قيمك ومبادئك، ولذلك تأثير عميق. لذا على سبيل المثال، حتى عندما سمحت الولايات المتحدة بتمرير قرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار، في اليوم التالي كان هناك تصريح بأنه قرار غير ملزم قانونياً. قرارات الأمم المتحدة جميعها بالتأكيد ملزمة من الناحية القانونية. وهذه الأطر القانونية موجودة لضمان التزام جميع الدول بمعايير السلوك. إما تنطبق على الجميع أو لا. إما تتم مساءلة الجميع أو لا أحد. لذا في المرة القادمة التي تخرق فيها دولة ما القواعد، وتأتي الولايات المتحدة وتحاول تطبيق سلطتها الأخلاقية، ستقول تلك الدول “حسناً، قمتم باستثناء هنا، فلماذا تطبق القوانين علينا؟” لذا أعتقد أن الناس، ترى قصور إسرائيل عن معيار أخلاقي تلو الآخر، ومعيار قانوني تلو الآخر، ويرفض العالم التحرك. لذلك أعتقد أن غزة الآن مثال على نموذج مصغر للفوضى العالمية الجديدة... وعن انهيار المعايير الدولية وعودة "البقاء للأقوى". وأعتقد أن ذلك خطير للغاية، ليس لمنطقتنا فحسب بل للعالم بأكمله.
مارغريت برينان: مؤخراً حذر الرئيس بايدن، قبل حوالي شهر، رئيس الوزراء نتنياهو ان سياسة الولايات المتحدة سوف تتغير إذا لم يتغير سلوك وإدارة إسرائيل في هذه الحرب. هل تعتقدين ان الولايات المتحدة بدأت باستخدام النفوذ الذي تقولين انها تمتلكه؟
الملكة رانيا: حتماً كان هناك تغير في اللهجة واللغة. وأنت محقة، حذر الرئيس وحاول جاهداً إقناع نتنياهو على سبيل المثال بعدم دخول رفح. لكننا رأينا مراراً وتكراراً، مسؤولين إسرائيليين لا يستجيبون لتحذيرات أو مشورة أو نصيحة حلفاء. لذلك أعتقد انه حان الوقت أن يستخدم المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة نفوذه السياسي لإجبار إسرائيل على إنهاء الحرب والسماح بدخول المساعدات.
مارغريت برينان: كيف؟
الملكة رانيا: من خلال اتخاذ إجراءات.
مارغريت برينان: صحيح.
الملكة رانيا: مرة أخرى، هو عن طريق الدفاع عن القانون الدولي، على سبيل المثال، بناء المستوطنات غير الشرعية هو خطأ ويجب أن يتوقف. هو عبر القول أننا لن نزودكم بأسلحة هجومية. هو بالقول أننا لن نستمر في استخدام حق النقض لعدم محاسبة إسرائيل عندما تخرق القانون. الضغط الدبلوماسي أيضاً مهم جداً. لذلك هنالك العديد من الأدوات التي تمتلكها الولايات المتحدة من أجل إجبار إسرائيل على فعل ما هو صحيح. وأعتقد أنه من أجل مصلحة عالمنا... الولايات المتحدة التي قد تكون أقرب حليف لإسرائيل، لكن الصديق الجيد يحاسب صديقه متى وقع في الخطأ. لا تعطيهم تفويضاً مطلقاً عندما لا يقومون بالشيء الصحيح. وأعتقد أنه عندما لا تتم محاسبة اسرائيل يضر ذلك بها كثيرا، لأنه يخلق ثقافة الإفلات من العقاب. وهذا هو الوضع لعقود، حيث يشعرون أنهم الاستثناء لكل معيار وقانون دولي. فإما ان تكون جزءاً من المجتمع الدولي وتلتزم بالقواعد، أو تكون دولة منبوذة أوجدت استثناءا لكل قاعدة. لذلك أعتقد أنه ن كنت تهتم بحليفك، فإنك بالفعل ستتخذ إجراءً لضبطه وسيكون ذلك لصالح إسرائيل على المدى الطويل.
مارغريت برينان: في بداية هذه الحرب، كنت صريحة حول المخاوف الإنسانية مبكراً جداً، وأنت ملكة أردنية، لكنك أيضاً فلسطينية. قلت أن الناس بحاجة لفهم ان الأمهات الفلسطينيات يحببن أطفالهن بقدر حب الأم الإسرائيلية. لماذا تشعرين أن هناك حاجة لقول ذلك؟
الملكة رانيا: لأنه لعقود كان تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم نهجاً متعمداً تبنته إسرائيل من أجل تخدير الناس لمعاناة الفلسطينيين. من المفاجئ رؤية مدى عمق تيارات تجريد الإنسانية في اسرائيل. ويتهم العرب عادة بتعليم الكراهية، والفلسطينيون أيضاً. لكن الإسرائيليين أحاطوا الفلسطينيين بجدار بعيداً عن الأنظار وبعيداً عن الفكر، اختزلوهم لتهديدات أمنية مجهولة الاسم والهوية، والتي يتعين عليك ان تدافع عن نفسك ضدها. لا يتعلمون عن الفلسطينيين، لا يتم تعريفهم إليهم كأشخاص حقيقيين. أي محاولات لإدراج قصص فلسطينية في الكتب محظور. لذلك هناك شعور – وقد رأينا ذلك بالفعل – عندما رأينا أنه من بين الناس الذين يمنعون المساعدات من الوصول للفلسطينيين هم مراهقون شباب. لا يمكنني فهم كيف يمكن لأي شخص أن يكون غير مبالٍ إلى هذا الحد بمعاناة إنسانية.
مارغريت برينان: تتحدثين الآن عن بعض الاحتجاجات التي تحاول قطع شحن المساعدات...
الملكة رانيا: أتحدث عن ثقافة عميقة، عن منظور كلي حول الفلسطينيين والذي يقول ان الفلسطينيين ليسوا بشراً، أنهم عنيفون بطبيعتهم ، بالفطرة، وليس بسبب تعرضهم للاضطهاد. لذلك عندما تختزل الناس على أنهم مختلفين عنا، على أنهم ليسوا أخلاقيين مثلنا، لذلك فلا بأس في إلحاق الألم والمعاناة بهم، لأنهم لا يشعرون بنفس الطريقة التي نشعر بها، يصبح من المقبول إلحاق الألم والأذى بهم. هذه هي الفجوة العقلية في التجريد من الإنسانية، تسمح لك تبرير ما لا يمكن تبريره، والقيام بأشياء مشينة ومع ذلك ترى نفسك شخصاً جيداً. ونرى ذلك يحدث في حالة الفلسطينيين.
لا يشعرون ان الفلسطينيين... لذلك قلت أن الأمهات يحببن أطفالهن بنفس الطريقة- لأنه يسمح لك بفعل أشياء سيئة دون أن يكون لديك مشكلة أخلاقية مع ذلك. وهذا ما يحدث. لكن التجريد من الإنسانية يعمل في كلا الاتجاهين، لأنه عندما تفقد قدرتك على التعاطف مع الجانب الآخر، تصبح قاسياً، وينتقص ذلك من إنسانيتك. ونرى هذا يحدث في المجتمع الإسرائيلي حيث أصبحوا قساة بشكل كبير. وأريد ان أحث الناس على ان يفهموا ان هذه الرواية، هذه الدعاية التي يتم تغذيتها، وهذه العنصرية المعادية للفلسطينيين، أن الفلسطينيين لا يريدون السلام وان الفلسطينيين يفهمون فقط لغة العنف والقوة، غير صحيحة.
مارغريت برينان: تقولين رؤية ان حماس تمثل الشعب الفلسطيني خطأ؟
الملكة رانيا: بالطبع خطأ وأيضاً، فقط للإشارة: معظم الذين يعيشون في غزة اليوم لم يكونوا على قيد الحياة عندما تم انتخاب حماس. لم يكونوا مولودين، أو كانوا أطفالاً في ذلك الوقت. لذلك بالتأكيد حماس لا تمثل غالبية الفلسطينيين. وإن كان الفلسطينيون يكرهون الإسرائيليين، ليس ذلك بسبب الدين أو الهوية، بل لأنهم لم يتعاملوا معهم إلا كأدوات لدولة عسكرية. عرفوهم فقط عبر نقاط التفتيش والرصاص والبنادق. ليس بسبب شيء متجذر فيهم ضد الشعب اليهودي. في الحقيقة، دائماً أحاول تذكير الناس بأننا كما تعلمون، تعايشنا مسيحيين ومسلمين ويهود لأطول فترة، وهنا ولدت الديانات التوحيدية الثلاث. وقبل ولادة الصهيونية، كانت الغالبية المسلمة في فلسطين تعيش بصداقة وتسامح كاملين مع الأقلية اليهودية. لم تكن معاداة السامية مشكلة أبداً.
مارغريت برينان: حسناً، سيقول المؤرخون أن معاداة السامية كانت موجودة عبر التاريخ، أليس كذلك؟ ومن الصعب على الناس ان يسمعوا بعض ما تقوليه وأن لا تكون لهم ردة الفعل هذه،إذ يسمعون وصفا من الانتقاد للحكومة الإسرائيلية أو الجيش الإسرائيلي، ويرون أين تفصلين عن الشعب اليهودي. الكثير من الناس لا يرون اختلافاً.
الملكة رانيا: معاداة السامية بالتأكيد موجودة. وهي في تصاعد وفي حالة تزايد. هي أسوأ أنواع التعصب، هي كراهية خالصة. ودائماً أقول ان المسلمين يجب أن يكونوا في مقدمة محاربي معاداة السامية لأن الاسلاموفوبيا هي الوجه الآخر من المرض ذاته، والتي هي أيضاً في تصاعد. اليهودية دين سلام. أول الديانات التوحيدية الثلاث، وكمسلمين... كانت اليهودية والمسيحية والإسلام. ونؤمن جميعاً بالله ذاته. والمشكلة عندما تحاول الخلط ما بين السياسة المعادية لإسرائيل ومعاداة السامية، أليس كذلك؟ معاداة السامية هي عندما تضطهد شخصاً، أو تمارس تمييزاً ضد شخص بناء على هويته اليهودية. إسرائيل هي دولة لها توجه سياسي، وأحزاب سياسية، لذلك يمكنك انتقاد دولة إسرائيل. لكن هذا ليس بالضرورة معاداة للسامية. لذلك عندما يقف الناس ويتحدثون ضد الحرب في غزة، وضد العقاب الجماعي، وحرمان الناس من الطعام كسلاح حرب، وتهجير شعب بأكمله، وعندما يكون هناك قصف عشوائي هذا لا يعتبر معاداة للسامية، بل هو انتقاد سياسة إسرائيلية. وأعتقد أنه سيكون من الخطأ تحميل المجتمع اليهودي مسؤولية تصرفات أو سياسات إسرائيل. والعديد من اليهود يرفضون بشكل قاطع هذا الخلط. يريدون حماية هويتهم اليهودية ويقولون إن الدين اليهودي وجد قبل 3000 عام من قيام دولة إسرائيل. لذا هو يسبق الدولة الإسرائيلية، والخلط بين الجانب الديني والسياسية لا اعتقد أنه يخدم أحداً، وهو بالتأكيد لا يقربنا من السلام.
مارغريت برينان: حسناً، دعيني أسألك عن هذا. لأنه كما تعلمين، هناك احتجاجات في جامعات حول الولايات المتحدة، هنا في نيويورك ومدن أخرى تضامناً مع الفلسطينيين في غزة. لكن هنالك أيضاً شعور بعدم الأمان بين بعض الطلبة، لأنهم على سبيل المثال طلبة يهود. ما رأيك بالاحتجاجات؟ وهل أنت متفاجئة من رؤية شباب أمريكيون يتظاهرون بهذا الشكل؟
الملكة رانيا: في البداية، أعتقد أنه من المهم الإشارة الى ان القانون والنظام أساسيان للجميع. لذلك من المهم للطلاب الالتزام بقواعد الحرم الجامعي، وعدم تعطيل الفصول الدراسية، وعدم تعطيل تجربة الطلاب الآخرين في الجامعة. وفي الوقت ذاته، كما قلت، هناك تزايداً في معاداة السامية فمن الخطأ أن يشعر أي طالب بعدم الأمان في الحرم الجامعي. ومع ذلك، نحن بحاجة – المشاعر تتأجج بشكل متصاعد واعتقد أنه يغيب عن بال الناس السبب الذي دفع هؤلاء الطلبة للتظاهر. بالنسبة لهم قضية غزة والصراع الفلسطيني يتعلق أكثر بالعدالة الاجتماعية. هم يدافعون عن حقوق الإنسان والقانون الدولي والمبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي. هم يدافعون عن المستقبل الذي سيرثونه. لذلك هم يطلبون من جامعاتهم سحب استثماراتها من احتلال غير شرعي. لكن في الوقت ذاته، وربما ما هو أكثر أهمية، هم يشيرون الى ان القصة وراءها أكثر قيل لهم... أن الرواية التي شُبعوا بها – ان إسرائيل هي الضحية والفلسطينيون هم شعب عنيف يستحقون ما يحدث لهم – هذا ليس القصة كاملة.
مارغريت برينان: لماذا تعتقدين ان ذلك يحدث في حرم الجامعات؟ لماذا تعتقدين ان الشباب لديهم هذا الشعور؟
الملكة رانيا: حسناً، يشعر الكثير من الناس كذلك. لكن لطالما كان الحرم الجامعي مكاناً للنشطاء. كما تعلمون الطلبة الشباب يتعلمون عن هذه القضايا في هذا العمر. تريد أن تكون صاحب موقف، وتكون أكثر مثاليةً. تريد الدفاع عن القضايا التي تؤمن بها. تشعر بالغضب عندما لا تسير الأمور على ما يرام – عندما لا يحدث ما تعلمته وما تؤمن بأنه الشيء الصحيح. لذا فهم يعبرون عن آرائهم.
لكن أعتقد أن وضع جميع هؤلاء الطلبة بقالب واحد، التشهير بهم على انهم مؤيدون لحماس أو مؤيدون للإرهاب أو معادون للسامية، هو غير دقيق. وأعتقد انه نوعاً ما إهانة لبعض هؤلاء الطلبة، لأن الكثير من الناس يقولون: "إنهم لا يعلمون حتى لماذا يتظاهرون. إنهم يحتجون فقط من أجل الاحتجاج". الكثير منهم مثقفون وشباب مفكرون يعلمون تماماً لماذا يحتجون. يحتجون من أجل العدالة.
مارغريت برينان: هل تعتقدي أن هذا سيغير السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟
الملكة رانيا: لا أعرف إذا كان ذلك سيغير السياسة الخارجية للولايات المتحدة. لكنه بالتأكيد تحرك شعبي ويعبر عن جيل يشعر أن هناك تناقضاً بين القيم والمبادئ التي تعلموها عما تمثله هذه البلاد، وبين ما يحدث بالفعل على أرض الواقع. ومرة أخرى، دعونا لا ننسى وجود عدد كبير من الطلاب اليهود الذين يشاركون في هذه الاحتجاجات. والغالبية العظمى من هذه الاحتجاجات تريد أن تكون سلمية؛ إنهم لا يريدون التخريب. وأعتقد أن الشيء الأكثر أهمية هو أن يكون هناك تفاعل حقيقي مع هؤلاء الطلاب... وإجراء حوار مفتوح والاستماع إليهم والشرح لهم. في كثير من الأحيان، يقال: "حسنًا، هؤلاء الشباب بحاجة إلى تثقيف". وأعتقد أننا بحاجة إلى الخوض في هذا الأمر مع العلم أننا نحن أيضا بحاجة إلى تثقيف. لذلك هو أخذ وعطاء. وقد رأينا مثالاً في جامعة براون حيث أدى هذا النوع من الحوار الصحي إلى تهدئة الأمور. وكان مكسباً للجميع. لذا كلما استخدمت القوة أكثر، أعتقد أن ذلك سيزيد من اشتعال الوضع.
مارغريت برينان: كيف يفكر الشباب في الأردن بهذا الأمر الآن، وما هو الشعور السائد فيما يتعلق بالدعم الأمريكي غير المشروط لحكومة إسرائيل؟
الملكة رانيا: بكلمة واحدة هناك "غضب". هناك غضب، لأنه بالنسبة لمعظم الشباب - حتى أولئك الذين ربما كانوا ضد السياسة الخارجية الأمريكية أو اختلفوا معها، لطالما نظروا إلى الولايات المتحدة كدولة ديمقراطية ذات قيم ديمقراطية: مع تطبيق للقانون، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك. وكما قلت، يشعر الشباب الآن بإحباط شديد. يتساءلون كيف يمكن حدوث ما يحدث، وكيف تسمح الولايات المتحدة بحدوثه... وكيف يسمح بقية العالم بحدوثه؟ تجاهل صارخ للقانون الدولي.
عندما تقول إسرائيل أنها لا تستهدف المدنيين، ومن ثم ننظر إلى الواقع على الأرض وما نراه بأعيننا. وباعتراف بعض مصادر الاستخبارات الإسرائيلية، فإنهم كانوا يقولون إنهم غالباً ما هاجموا أهدافهم ليلاً في منازلهم مع عائلاتهم، مما أدى إلى مقتل الآلاف من النساء والأطفال.
لقد رأينا تقاريراً منتشرة على نطاق واسع حول استخدام إسرائيل لأنظمة الذكاء الاصطناعي لتحقيق أكبر عدد من الأهداف، وقتل أكبر عدد ممكن من الناس. وهكذا، حقاً، من خلال إخراج الإنسانية من المعادلة، ومن حساباتهم، اعتبروا أنه لا بأس من تسوية حي بأكمله بالأرض، أو قتل عائلة بأكملها لتحقيق هدف واحد. وهكذا تم التخلي عن مبدأ التناسب والتمييز بين المدنيين والمقاتلين في هذه الحرب.
وعندما يقول الإسرائيليون: "أن (المدنيون) يموتون لأن حماس تستخدمهم كدروع بشرية"، حسناً، لديك مكان كغزة، والتي هي واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم، تتعرض لعدد غير مسبوق من القنابل الغبية، وهي قنابل غير موجهة، أو قنابل ضخمة تزن 2000 رطل. ولوضع الأمر في نصابه الصحيح، أثناء محاربة داعش، استخدمت الولايات المتحدة قنبلة واحدة فقط من هذا النوع، لأنه من المعروف أن لها خطراً كبيراً جداً في قتل المدنيين. يضربون أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض بعدد غير مسبوق من القنابل غير الموجهة والقنابل الضخمة، ومن المفترض أن نصدق أن إسرائيل تحاول تجنب قتل المدنيين؟ ذلك غير منطقي.
مارغريت برينان: كان هناك احتجاجات في الأردن.
الملكة رانيا: نعم.
مارغريت برينان:…خارج السفارات وما شابه ذلك. وتقول منظمة العفو الدولية إن الأمن الأردني اعتقل ما لا يقل عن 1500 شخص بسبب التظاهر. لماذا؟ هل أنتم قلقون من وجود تهديد لاستقرار الأردن؟
الملكة رانيا: لا إطلاقاً. منذ بداية هذه الحرب، خرج الآلاف. أعتقد أنه كان لدينا حوالي 1700 مظاهرة لأشخاص خرجوا مناصرين ومتضامنين مع الشعب الفلسطيني. وكانت معظم هذه المظاهرات دون احتكاك مع الشرطة - ولكن في نهاية المطاف، الأردن بلد قانون ونظام. لذا، طالما التزم الناس بالقانون – كما قلت عن المظاهرات هنا – لهم حرية التظاهر. لكن عندما نرى تخريباً أو مساساً بالممتلكات العامة والخاصة، على قوات الأمن مسؤولية التدخل. ولكن مرة أخرى، ربما كان الأردن في طليعة الدول التي وقفت وتحدثت علناً في وجه ما يحدث ودفاعاً عن الفلسطينيين. ولا يقتصر الأمر على القيادة فحسب، بل يشمل أيضاً الأردنيين أنفسهم: الشعب والحكومة والقيادة. لذلك نحن جميعاً متفقون في هذا الشأن.
مارغريت برينان: حسناً، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية آفريل هينز، إنه سيكون هناك تأثير على الأجيال نتيجة الحرب في غزة. وكانت تلك أيضاً إشارة لتعبئة الإرهابيين. ما مدى قلقك من أن هذا ما قد يحدث لبعض هؤلاء الشباب الذين تقولين إنهم غارقون في صور ما يحدث؟
الملكة رانيا: كما قلت، ليس فقط الأشخاص المتطرفين هم فقط الغاضبين من مايحدث. بل هؤلاء الذين في الوسط أيضاً، الأشخاص المتغربون الذين درسوا هنا، الأشخاص الذين فجأة ينظرون إلى العالم ويقولون، لقد أصيبوا بالخذلان. إنهم يقولون: من الواضح أن هناك معايير مختلفة... وأن القانون الإنساني يطبق بشكل انتقائي... وأن حياتنا لا تهم. وأنه لا بأس في أن يستشهد حوالي 15 ألف طفل، ويتيتم 19 ألف طفل... ولا بأس في محو البنية التحتية بالكامل. ولا بأس في وقف إيصال المساعدات والغذاء إلى سكان بأكملهم. هذا عقاب جماعي. إنها جريمة حرب، وهي تحدث. ولذلك، يقول الشباب: "يبدو أن الغرب لا يحبنا". لذا برأيي، قد تكون هذه الحرب إحدى أكبر أحداث التعبئة التي شهدناها في التاريخ الحديث، لأنها أبعدت الكثير من الناس وجعلتهم يشعرون أنه لا توجد عدالة في هذا العالم. وهذا مكان خطير للغاية.
مارغريت برينان: ما وصفته هو ما حذر وزير الدفاع أوستن إسرائيل منه: أنها يمكن أن تحقق فوزاً تكتيكياً وخسارة استراتيجية على المدى الطويل. هذا ما أسمعك تقولينه: إن هذا سيؤدي إلى تجنيد المزيد من الإرهابيين.
الملكة رانيا: بالتأكيد. ومرة أخرى، علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال البسيط: هل تجعل هذه الحرب إسرائيل أكثر أمناً؟ هل تجعل عالمنا أكثر أماناً؟ أود القول أنه بعد استشهاد 35 ألف شخص، وبعد تدمير البنية التحتية المدنية في غزة. بعد الانتهاكات الكثيرة، وبعد الخطاب الذي نسمعه من المسؤولين الإسرائيليين – الذين يصفون الفلسطينيين بالحيوانات البشرية؛ أو عندما يقول رئيس الوزراء إن الأطفال الفلسطينيين هم أبناء الظلام، أنهم لا يفهمون إلا قانون الغاب؛ وعندما يقول المسؤولون إننا بحاجة إلى إيجاد طريقة أكثر فعالية من الموت لإلحاق المعاناة بالفلسطينيين، فكيف يجعل ذلك إسرائيل آمنة؟ كيف؟
السلام لا يتعلق بالسياسة فقط، بل بالناس أيضاً. ويتعلق بالثقافة، والحالة الذهنية. يتعلق الأمر باختيار التسامح بدلاً من الشك. واختيار التسوية والمصالحة بدلاً من الوعد الزائف بالنصر. ولقد اتجهت السياسة داخل إسرائيل إلى اليمين أكثر فأكثر، حتى أصبح ذلك مقبولاً. يتفاجأ الإسرائيليون عندما يتم استخدام كلمة إبادة جماعية، لأنهم لا يستطيعون رؤية الفلسطينيين إلا كتهديد أمني، وأنهم يستحقون ما يحدث لهم. حسب استطلاع للرأي
مارغريت برينان: بسبب الصدمة التي تعرضوا لها بعد السابع من تشرين الأول...
الملكة رانيا: بالتأكيد، صدمة، وأتفهم ذلك. وأدرك أنه بسبب أصولي، فإنني قد أتعاطف أكثر مع الجانب الفلسطيني. ولهذا السبب، أتحدى نفسي كل يوم لأضع نفسي مكان أم إسرائيلية، لديها طفل أُخذ رهينة، أو أي شاب إسرائيلي سمع عن الاضطهاد الرهيب الذي تعرض له الشعب اليهودي في أوروبا. وأحاول أن أتعاطف وأرى وجهة نظرهم. وبالتأكيد، لا بد من عودة الرهائن إلى منازلهم في أسرع وقت ممكن. ويجب أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن حتى يتمكن الفلسطينيون من العودة إلى منازلهم – إذا تبقى لديهم منازل.
لذلك، أتفهم أن ما حدث في السابع من تشرين الأول كان صادماً ومؤلماً للمجتمع الإسرائيلي. لكن رد الفعل عليه لم يساعد الوضع. لا يمكنك الاعتماد فقط على رد الفعل المفرط هذا والمتمثل في العقاب والانتقام. لأنك حينها، ستدخل في قلب دائرة العنف وتتعمق فيها أكثر، وسيزداد الأمر سوءاً. وكان بإمكان إسرائيل أن ترد من خلال ضربات دقيقة ضد حماس. لكن هذا ليس ما نراه اليوم. فنحن نرى حرباً لا تُخاض بطريقة دفاعية.
مارغريت برينان: عندما كنت في البيت الأبيض في شهر شباط، ذكر الرئيس بايدن أن زوجك الملك عبدالله واثنين من أولادك شاركوا في عمليات إنزال جوي على غزة. لكنك أشرت إلى أن الإنزال الجوي مجرد قطرة في المحيط. ما المطلوب في هذه المرحلة لعكس المجاعة؟
الملكة رانيا: صحيح. كانت عمليات الإنزال الجوي تلك نتيجة اليأس، وقد قال زوجي منذ اليوم الأول: إنها غير كافية، ومكلفة، ولا تلبي احتياجات سكان غزة. لكن حساباتنا كانت أن أي شيء أفضل من لا شيء، أليس كذلك؟
أرقام الجوع في غزة غير مسبوقة. كل شخص في غزة جائع. ربع السكان يتضورون جوعاً. وعندما رأينا ذلك الهجوم المدمر على المطبخ المركزي العالمي، كان هناك ضغطاً كبيراً على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من الغذاء والمساعدات إلى غزة. كان هناك زيادة طفيفة. لكن في الحقيقة، في نهاية المطاف، ليست حتى قريبة من تلبية الاحتياجات.
مارغريت برينان: ولكن من يستطيع توزيع ذلك؟ ولو انتهت الحرب حتى؟ هل يستطيع الأردن الدخول والمساعدة؟
الملكة رانيا: أعتقد أن الأمر هو، أن ما فعلته تلك الضربة على سبيل المثال، هو جعل الكثير من المنظمات الإغاثية تعلق عملياتها لأنها لم تشعر بالأمان أثناء عملها في غزة. وذلك بعد أن قصفت إسرائيل الحقول والأراضي الزراعية وقوارب الصيد، ما أدى إلى تدمير قدرة غزة على إطعام نفسها، ليس اليوم فقط بل لسنوات قادمة. وبالتالي فإن المطلوب هو وقف دائم لإطلاق النار يسمح للرهائن بالعودة إلى ديارهم وللناس بالعودة إلى منازلهم.
هناك حاجة للضغط على إسرائيل لفتح جميع نقاط العبور، والعبور البري هو الطريقة الأكثر فاعلية لتقديم المساعدات على نطاق واسع. هناك حاجة لتبسيط عملية التدقيق، التي أصبحت الآن معقدة وتعسفية للغاية؛ قد يجدون شيئاً واحداً في الشاحنة لا يوافقون عليه وعلى الشاحنة بأكملها العودة إلى الوراء. والأمر الأخير هو أننا بحاجة إلى السماح لعمال الإغاثة بالوصول الآمن إلى غزة حتى يتمكنوا فعلياً من إيصال المساعدات إلى الأشخاص الذين يحتاجونها.
ولكن إذا لم نغمر غزة بالمساعدات قريباً، فسنواجه مجاعة جماعية. ولا أعرف كيف يكون العالم سعيداً بفعل ذلك. إنها وصمة عار كبيرة في ضميرنا العالمي، رؤية ما يحدث بالعرض البطيء دون فعل شيء حياله.
مارغريت برينان: لدى الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عام 1994. إذا دخلت إسرائيل جنوب غزة إلى رفح، كما يقول رئيس الوزراء أنه ينوي القيام به، فهل سيصمد السلام؟
الملكة رانيا: كما قلت، لدينا سلام مع إسرائيل منذ عام 1994، والأردن يحترم دائماً الالتزامات التي يوقع عليها في اتفاقيات السلام. سنكون دائماًعلى جانب السلام والدبلوماسية. لكن الدبلوماسية تتطلب الثقة. وقد تآكل الكثير من هذه الثقة على مر السنين بسبب الانتهاكات ضد الناس في غزة والضفة الغربية، وبسبب تقويض الوصاية الأردنية على المواقع المسيحية والإسلامية في القدس، والتي تشكل جزءاً من هذه الاتفاقية.
مارغريت برينان: ماذا تقصدين بذلك؟ ماذا حدث؟
الملكة رانيا: حسناً، مراراً وتكراراً، هناك انتهاكات ضد المواقع المسيحية والمواقع الإسلامية من قبل قوات إسرائيلية لا تسمح للناس بالدخول، وتعتقل الناس، ولا تسمح للناس بالصلاة... نرى ذلك يحدث طوال الوقت. وهذا باستمرار يقوض الدور والوصاية الهاشمية على هذه الأماكن المقدسة. وبالتالي هناك مشكلة في ذلك.
وعندما يتعلق الأمر برفح، هناك غارات يومية مستمرة حاليا على رفح. ولكن إذا حدث اجتياح واسع النطاق، فقد حذر العالم من حمام دم، وذلك لسبب بسيط وهو أن نصف سكان غزة لاجئون الآن في رفح. نتحدث عن حوالي 50 ألف شخص لكل ميل مربع. ومنذ بداية هذه الحرب، تم دفعهم بشكل ممنهج إلى الجنوب أكثر فأكثر. رفح هي نهاية الخط؛ لا يوجد مكان آخر يذهبون إليه. لا يوجد سوى قطعة أرض مساحتها ستة أميال مربعة يمكن اعتبارها منطقة آمنة. لذا، ليس لديهم مكان يذهبون إليه. ولا أعرف كيف يمكن لإسرائيل أن تدخل بشكل دقيق دون التسبب في مقتل عدد كبير من المدنيين. ولذلك أعتقد أن على العالم إجبار إسرائيل على عدم القيام بذلك.
مارغريت برينان: جلالة الملكة، شكراً لك على وقتك. أخبروني أن وقت البرنامج انتهى. شكراً لك.
مواضيع مختارة
موقع جلالة الملكة رانيا العبدالله الرسمي
هذا الموقع الإلكتروني لا يدعم متصفحات الإنترنت القديمة. الرجاء تحديث متصفح الإنترنت إلى نسخة أحدث من إنترنت إكسبلورر 9
متصفح الإنترنت الذي تستخدمه قديم. لتحسين مستوى الأمان عند تصفح مواقع الإنترنت و مشاهدتها بالشكل الصحيح و بفعالية افضل قم بتحديث متصفح الإنترنت الخاص بك